وهذا لا يعني –أيضًا- التفريط والتساهل والتهاون بحجة أن هذا الدين يسر، والتوسعة إلى الشارع لا إلى أهواء الناس ورغباتهم وما ألفوه ودرجوا عليه، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء (كلا طرفي قصد الأمور ذميم) ثم إن قضية التيسير والتوسعة قضية منهج متكامل وليست تتعلق بجزئية أو جزئيات كما يتصور بعض الناس.
وبهذا التعريف والشمول ندرك أن هذا الأمر يندرج في منهج الوسطية، التي هي سمة من سمات هذه الأمة، وخاصية من خصائصها، فلن نستطيع أن ندرك حقيقة الوسطية إلا إذا فهمنا سمة اليسر والتوسعة ورفع الحرج، وألا تصبح الوسطية معنى مفرغا من حقيقته، وقولا نظريا لا وجود له في الواقع، وبذلك يفقد هذا الدين خاصة لها أثرها في حياة الناس ومآلهم(١).
الفصل الرابع
الحكمة
تمهيد:
إن الحكمة ملمح من ملامح الوسطية، وبيان هذا: أن التوسط هو توسط معنوي، وتحديد هذا التوسط يكون بمراعاة جميع الأطراف، تحقيقا للمصالح، ودرءا للمفاسد، وهذه هي الحكمة الشرعية وبعبارة أخرى: فإن الوسطية أمر نسبي، يخضع تحديده لعوامل عدة لابد من مراعاتها، ولا يتحقق ذلك إلا بإتقان الحكمة. ومن أجل إلقاء مزيد من الضوء على هذه الحقيقة سأبين الحكمة في اللغة وفي الاصطلاح الشرعي وعند المفسرين وأنواعها ودرجاتها وبعض الأمثلة في تطبيقها.
المبحث الأول
الحكمة في اللغة والاصطلاح
أ- في اللغة: جاءت الحكمة في اللغة بعدة معان، منها:
تستعمل بمعنى: العدل، والعلم، والحلم، والنبوة، والقرآن، والإنجيل، وأحكم الأمر: أتقنه فاستحكم ومنعه عن الفساد(٢).
والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها حكيم(٣).
(٢) القاموس المحي، باب الميم، فصل الحاء، (١٤١٥).
(٣) لسان العرب، باب الميم، فصل الحاء، (١٢/١٤٣).