الدرجة الأولى: (أن تعطي كل شيء حقه، ولا تعديه حده، ولا تعجله عن وقته، ولا تؤخره عنه) لما كانت الأشياء لها مراتب وحقوق تقتضيها، ولها حدود ونهايات تصل إليها ولا تتعداها، ولها أوقات لا تتقدم ولا تتأخر، كانت الحكمة مراعاة هذه الجهات الثلاث بأن تعطي كل مرتبة حقها الذي أحقه الله لها بشرعة وقدره، ولا تتعدى بها حدها فتكون متعديا مخالفا للحكمة، ولا تطلب تعجيلها عن وقتها فتخالف الحكمة، ولا تؤخرها عن فتفوتها، وهذا حكم عام لجميع الأسباب مع الأسباب مع مسبباتها شرعا وقدرا، فإضاعتها تعطيل للحكمة بمنزلة إضاعة البذر وسقى الأرض، وتعدى الحق كسقيها فوق حاجتها، بحيث يغرق البذر والزرع ويفسد، وتعجيلها قبل وقتها كحصاده قبل إدراكه وكماله، وهذا يكون فعل ما ينبغي على الوجه الأكمل في الوقت المناسب(١).
الدرجة الثانية: معرفة عدل الله في وعيده، وإحسانه في وعده، وعدله في أحكامه الشرعية والكونية الجارية على الخلائق، فإنه لا ظلم فيها ولا جور.
قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: ٤٠]، وكذلك معرفة بره في منعه، فإنه سبحانه هو الجواد الذي لا ينقص خزائنه الإنفاق، ولا يغيض ما في يمينه سعة عطائه، فهو سبحانه لا يضع بره وفضله إلا في موضعه ووقته بقدر ما تقتضيه حكمته، فما أعطى إلا بحكمته ولا منع إلا بحكمته، ولا أضل إلا بحكمته.

(١) انظر: مدارج السالكين (٢/٤٧٩).


الصفحة التالية
Icon