٥- وأما ابن عاشور(١) –رحمه الله- قال: (فأما الذين تعلقوا بالاستدلال بوصف الوسطي فمنهم من حاول جعل الوصف من الوسطي بمعنى الخيار والفضل، فرجع إلى تتبع ما ورد في تفضيل بعض الصلوات على بعض، ومنهم من حاول جعل الوصف من الوسط، وهو الواقع بين جانبين متساويين من العدد، فذهب يتطلب الصلاة التي هي بين صلاتين من كل جانب وبهذا التفسير لمعنى (الوسطى) من أقوال المفسرين المتقدم نلاحظ: الارتباط بين هذه الكلمة وموضوع الوسطية الذي هو مدار هذا البحث، سواء أكانت بمعنى التوسط بين شيئين أم بمعنى الخيار الأفضل، وسيأتي مزيد بيان لهذه القضية إن شاء الله – بعد عرض جميع الآيات.
ثالثاً: كلمة (أوسط):
وقد وردت هذه الكلمة في آيتين: الأولى في قوله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) [المائدة: ٨٩]، والثانية في سورة القلم في قوله تعالى: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ) [القلم: ٢٨].
وقد ذكر المفسرون معنى كل كلمة في مواضعها، فمنهم من جعل معناهما واحدًا، ومنهم من فرق بين مدلوليهما، وإليك تفصيل ذلك:
الأولى: آية سورة المائدة:

(١) هو محمد بن الطاهر بن عاشور ولد بتونس سنة ١٨٧٩م، وكان من كبار علماء الزيتونة له مؤلفات كثير من أشهرها التحرير والتنوير في التفسير وله تلاميذ كثيرون من أشهرهم العلامة عبد الحميد بن باديس الجزائري، توفى سنة ١٩٧٣م، انظر (عبد الحميد بن باديس العالم الرباني والزعيم السياسي: ٣٢).


الصفحة التالية
Icon