وقال ابن عاشور -رحمه الله-: والصراط في هذه الآية (آية الفاتحة) مستعار –لمعنى الحق الذي يبلغ به مدركه إلى الفوز برضى الله، لأن ذلك الفوز هو الذي جاء الإسلام بطلبه، والمستقيم: اسم فاعل من استقام، مطاوع قومته فاستقام، والمستقيم: الذي لا اعوجاج فيه ولا تعاريج، وأحسن الطرق الذي يكون مستقيما، وهو الجادة لأنه باستقامته يكون أقرب إلى المكان المقصود من غيره، فلا يضل فيه سالكه، ولا يتردد ولا يتحير، والمستقيم هنا مستعار للحق البين الذي لا تخالطه شبهة باطل، فهو كالطريق الذي لا تتخلله بنيات، ثم قال: والأظهر عندي أن المراد بالصراط المستقيم: المعارف الصالحات كلها من اعتقاد وعمل(١).
هذه بعض أقوال المفسرين في معنى الصراط المستقيم، كما ورد في سورة الفاتحة وحيث وردت آيات كثيرة ذكر فيها الصراط المستقيم سبق ذكر بعضها فإن معناها من هذا المعنى الذي سبق تقريره، ولإيضاح ذلك أذكر تفسير بعض هذه الآيات باختصار:
قال تعالى: (وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الأنعام: ٨٧].
قال مجاهد -رحمه الله-: وسددناهم فأرشدناهم إلى طريق غير معوج وذلك دين الله الذي لا عوج فيه، وهو الإسلام الذي ارتضاه ربنا لأنبيائه، وأمر به عباده(٢).
وفي قوله تعالى: (وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا) [الأنعام: ١٢٦].
قال الطبري -رحمه الله-: هو صراط ربك، يقول: طريق ربك، ودينه الذي ارتضاه لعباده (مُسْتَقِيمًا) يعني قويما لا اعوجاج به عن الحق(٣).
وفي قوله تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الأنعام: ١٦١].

(١) انظر: تفسير التحرير والتنوير (١/١/١٩٠).
(٢) انظر: تفسير الطبري (٧/٢٦٢)
(٣) انظر: المرجع السابق (٨/٣٢).


الصفحة التالية
Icon