وتحديد هذه الملامح مهمة أساسية في مثل هذا البحث، حتى لا تكون الوسطية مجالا لأرباب الشهوات وأصحاب الأهواء، ذلك أن الوسطية مرتبة عزيزة المنال، غالية الثمن، كيف لا وهي سمة هذه الأمة، ومحور تميزها بين الأمم؟! جعلها الله خاصية من خصائصها، تكرما منه وفضلا: (ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الجمعة: ٤].
إن من أهم سمات الوسطية ما يلي:
السمة الأولى: الخيرية.
السمة الثانية: العدل.
السمة الثالثة: اليسر ورفع الحرج.
السمة الرابعة: الحكمة.
السمة الخامسة: الاستقامة.
السمة السادسة: البينية.
وكل سمة من هذه السمات يدخل تحتها عدد من أفرادها، وسأبين لكل سمة بما يلائم المقام، ويفي بالغرض، والله الهادي إلى سواء السبيل، وأظن أن هذه الملامح بمجموعها تصلح ضابطًا لتحديد الوسطية ومعرفتها، بما يرد على السؤال الذي لا بد أن يرد في أذهان الكثيرين أين ضابط الوسطية وكيف نميزها عن غيرها؟
الباب الثاني
ملامح الوسطية
الفصل الأول الخيرية
قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) وقال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: ١١٠] وقد بينت أن من معاني الوسطية الخيرية.
المبحث الأول
أقوال المفسرين في آية الخيرية
قال ابن كثير -رحمه الله-: والوسط هنا: الخيار والأجود، كما يقال لقريش أوسط العرب نسبا ودارًا، أي خيرها(١). وفي تفسيره لقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قال: يعني الناس للناس، والمعنى: أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس، إلى أن قال: كما في الآية الأخرى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة: ١٤٣] أي خيارًا(٢).
(٢) انظر: المرجع السابق (١/٣٩١).