قال الإمام ابن كثير في معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: "إنما كان الذي أوتيته وحيا" أي الذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر أن يعارضوه بخلاف غيره من الكتب الإلهية، فإنها ليست معجزة والله أعلم(١).
وبعد: فهذا غيض من فيض من فضائل هذا الكتاب العظيم، الذي أنزل على هذه الأمة، فهو الكتاب الوحيد الذي وصفه الله بأنه أحسن الحديث، والكتاب الوحيد الذي تكفل الله بحفظه وصيانته من بين سائر كتبه، وهو الكتاب الذي جعله الله مهيمنا وشاهدًا على ما قبله من الكتب، حاويا لأفضل وأحسن ما جاء فيها وزائدًا عليها بفضائل كثيرة وهو الكتاب الوحيد الذي تحدى الله الجن والإنس أن يأتوا بمثله أو بمثل سورة من سوره.
وإن اختيار الله –عز وجل- لكتاب بهذه العظمة وهذا الفضل ليكون الكتاب الذي ينزل على هذه الأمة ليدل على فضل هذه الأمة وخيريتها، وقال الحافظ ابن حجر مبينا مناسبة إيراد الإمام البخاري لحديث ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم، كما بين صلاة والعصر ومغرب الشمس، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى، كمثل رجل استعمل عمالا، فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود، فقال: من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر؟ فعملت النصارى، ثم أنتم تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين، قالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء، قال: هل ظلمتكم من حقكم؟ فقالو: لا، قال: فذاك فضلي أوتيه من شئت"(٢). ومناسبة الحديث؛ من باب من جهة ثبوت فضل هذه الأمة على غيرها من الأمة على غيرها من الأمم وثبوت الفضل لها بما ثبت من فضل كتابها الذي أمر بالعمل به(٣).
الوجه السابع: كون نبيها أفضل الأنبياء والرسل عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام:

(١) تفسير ابن كثير (١/٨٩).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب فضل القرآن على سائر الكلام (٩/٦٦، رقم الحديث ٥٠٢١).
(٣) فتح الباري (٩/٦٧).


الصفحة التالية
Icon