فإن التأمل والتفكر في الكون والنفس وآيات الله المنظورة داع قوى للإيمان، لما في هذه الموجدات من عظمة الخلق الدالة على قدرة خالقها وعظمته؛ وما فيها: من الحسن والانتظام، والإحكام الذي يحير الألباب، الدال على سعة علم الله، وشمول حكمته، وما فيها من أصناف المنافع والنعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، الدالة على سعة رحمة الله، وجوده وبره، وذلك كله يدعو إلى تعظيم مبدعها وبارئها وشكره، واللهج بذكره؛ وإخلاص الدين له وهذا هو روح الإيمان وسره(١)، وإذا تأملنا في مخلوقات الله كلها نجدها مضطرة ومحتاجه إلى ربها من كل الوجوه، وأنها لا تستغني عنه طرفة عين خصوصا ما تشاهده في نفسك من أدلة الافتقار وقوة الاضطرار، وذلك يوجب للعبد كمال الخضوع، وكثرة الدعاء والتضرع إلى الله: في جلب ما يحتاجه من منافع دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ويوجب له قوة التوكل على ربه، وكمال الثقة بوعده، وشدة الطمع في بره وإحسانه، وبهذا يتحقق الإيمان، ويقوى التعبد فإن الدعاء مخ العبادة وأصلها(٢) قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر: ١٥]، كذلك التفكر في كثرة نعم الله وآلائه العامة والخاصة التي لا يخلو منها مخلوق طرفة عين، كل هذا يدعو إلى الإيمان.
ولهذا دعى الله الرسل والمؤمنين إلى شكره، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: ١٧٢]، فالإيمان يدعو إلى الشكر والشكر ينمو به الإيمان فكل منهما ملازم وملزوم للآخر.

(١) شجرة الإيمان، للسعدي (٤٩).
(٢) التوضيح والبيان (٥١).


الصفحة التالية
Icon