لقد اضمحل الخوف من قلوب هؤلاء الأخيار، وخلفه قوة الإيمان وحلاوته وقوة التوكل على الله، والثقة بوعده، ويلجؤون إلى الإيمان عند الطاعة والتوفيق للأعمال الصالحة، فيعترفون بنعمة الله عليهم بها؛ وأن نعمته عليهم فيها أعظم من نعم العافية والرزق، وكذلك يحرصون على تكميلها، والقيام بكل سبب لقبولها وعدم ردها أو نفصها، ويسألون الذي تفضل عليهم بالتوفيق لها، أن يتم عليها نعمته بقبولها، والذي تفضل عليهم بحصول أصلها، أن يتم لهم منها ما انتقضوه منها: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون: ٦١]، ويلجؤون إلى الإيمان إذا ابتلوا بشيء من المعاصي بالمبادرة إلى التوبة منها، والقيام بما يقدرون عليه من الحسنات لجبر نقصها قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف: ٢٠١].
فالمؤمنون في جميع تقلباتهم وتصرفاتهم ملجؤهم إلى الإيمان ومفزعهم إلى تحقيقه ودفع ما ينافيه ويضاده، وذلك من فضل الله عليهم ومنه(١). وخوفا من الإطالة نقتصر على هذه الثمرات العظيمة التي بينها المولى -عز وجل- وبذلك نستيقن أن كتاب الله جاء تبيانا لكل شيء، وعرض قضية الإيمان من جوانبها المتعددة النافعة للناس وبين وسائل زيادة الإيمان، ورغبنا فيه بذكر فوائده وثماره بحكمة بالغة تليق بالحكيم العليم جل و علا.
وبين المولى -عز وجل- في كتابه حقيقة الإيمان بأنه اعتقاد بالجنان ونطق باللسان، وعمل بالأركان ووضعنا على الصراط المستقيم وسلمت عقول المسلمين وقلوبهم من أمراض التعطيل والتشبيه، والإفراط والتفريط، ووقع أهل البدع في الانحراف عن جادة الصواب وطريق أهل الاستقامة؛ لأنهم ابتعدوا عن كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وفهم الصحابة والتابعين لهم بإحسان من علماء وفقهاء ومحدثين.
الفصل الثالث
الملائكة

(١) التوضيح والبيان (٨٥).


الصفحة التالية
Icon