إن إباحة تعدد الزوجات بالشروط والحدود المذكرة يدل على وسطية القرآن في باب التشريع، وقد اختلف الفقهاء في حكم التعدد، فذهب الجمهور إلى أن الأمر في قوله تعالى: (فَانكِحُوا) للإباحة مثل أمر في قوله تعالى: (وكُلُوا وَاشْرَبُوا) وفي قوله: (كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) [طه: ٨١]، وقال أهل الظاهر: النكاح واجب وتمسكوا بظاهر هذه الآية: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم)(١).
ولست في صف المدافعين عن الإسلام، فأحكام القرآن واضحة بينة تقنع العقل، وتؤثر في القلب، وتطهر النفس وترشد إلى الطريق المستقيم، بل إني في صف المهاجمين على النظم الجاهلية، التي ترى الحسن قبيحا، والقبيح حسنا، والحلال حراما، والحرام حلالا، فتقبل أن يكون للرجل عشيقات وخدينات، ويعاشرهن بطريق الفاحشة والرذيلة، وتستنكر عليه أن يعدد الزوجات، فيكون له اثنتان أو ثلاث، بطريق العفة والطهر، بل رأينا ما هو أقبح من هذا عند الغربيين، المعترضين على شريعة الإسلام، وتلامذتهم المفتونين بمبادئ الغرب، من بعض أبناء المسلمين، حيث جعلوا للمرأة الحرية أن تعاشر من تشاء، دون مؤاخذة أو معارضة، ونتج عن ذلك تعدد الأزواج، فالمرأة عندهم لا تقتصر على زوجها؛ بل تمارس حقها في الاتصال بمن تشاء كما يصنع الرجل مع الصديقات والعشيقات.
فلينظر العاقل إلى أية درجة من الانتكاس وصلت هذه الحضارة الغربية العفنة، ثم هم بعد ذلك يعترضون على نظام الإسلام، ويعتبرون ما هم عليه من القذارة حضارة؟ (فَمَا لِهَؤُلاءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) [النساء: ٧٨](٢).
فإن مسألة تعدد الزوجات وتقييده بشروط وحدود تدل عل وسطية القرآن الكريم في باب التشريع.
المبحث الرابع
الطلاق

(١) روائع البيان في تفسير آيات الأحكام، للصابوني (١/٣٩٧).
(٢) انظر: المرجع السابق، (١/٤٠٢).


الصفحة التالية
Icon