فإذا تأمل العاقل حكمة الله في الطلاق وجده عدة حكم منها: عدم تعطيل النسل المرغوب فيه، فقد تكون المرأة عقيمة لا تلد، والرجل فقيرا لا قدرة له على الجمع بين زوجتين وهو في الوقت نفسه يرغب في الولد ليعينه في شيخوخته، ويحفظ له اسمه بعد موته، ومن الحكم أيضًا: رفع الحرج عن الزوجين، لأن أحدهما قد يتصف بسوء خلقه، أو فساد في تربيته أو ضعف في دينه، أو يكون بينهما تخالف في الطباع وتضاد في المقاصد فتتنافر القلوب، أو ينعدم التآلف، والأسرة إذا لم تقم على المحبة أو تدعم بالموافقة تداعت أركانها وانهار بناؤها(١).
ولهذا نرى كثيرا من الدول الأوروبية والأمريكية اضطرت أخيرًا إلى تبني ما كانت تكره سابقا على الإسلام، فقد أقرت الزواج المدني الذي يحتوي على الطلاق، وجعلته شرعة ثابتة في قانونها الشخصي وأصلا من أصول مدنيتها الحديثة، وإن خالف ذلك أصول دينها.
ثم إن الطلاق ليس بدعا في الشرائع؛ بل هو عريق في الأمم القديمة، وقد كان الرجل يستعمله بمطلق حريته، وليس للمرأة أن تطلبه بحال من الأحوال وظل الأمر كذلك إلى عهد الدولة الرومانية حيث أصبحت الروابط جد واهية والطلاق فاشيا، وعلى ذلك جرت القوانين العبرية القديمة والأثينية وكان الأمر فيه إفراط وتفريط.
ثم لما جاءت الديانة الموسوية حسنت من أحوال الزوجة ولكنها أباحت الطلاق لسبب من ثلاثة: الزنى والعقم، وعيب الخلق أو الخلق.

(١) روح الدين الإسلامي، لعفيف طبارة (٣٧٦).


الصفحة التالية
Icon