كان الميراث في الجاهلية فوضى يورث من شاء ما شاء إلا النساء، فكان أهل الجاهلية لا يورثونهن، بل ربما ورثوهن تركة كما يورث المتاع، وذلك كالخالة زوجة الأب، كان يرث شخصها أكبر الأولاد بعد وفاة أبيهم، وجاء الإسلام فشرع نظاما متكاملا للإرث فريدا لم يسبق ولن يلحق، ومن الملاحظ أن التشريع الإسلامي في أغلبه جاء في القرآن مجملا وفصلته السنة المطهرة إلا نظام الإرث، فقد جاء مفصلا في سورتي النساء والمائدة، وبعض البقرة، فلم يترك الأمر سبهللا كما كان، بحيث تجتمع رؤوس الأموال بيد القلة من الناس، ولم يجعل التركة ملكا للدولة كما في بعض الأنظمة في العصر الحديث، فتنعدم المسؤولية الفردية والكيان الشخصي للإنسان، بل كان بيد هذا وذاك بحيث فتت الثروة تفتيتا، وأعطى هذه الثروة للأجيال القادمة بالوضع المعتدل المتزن إلى من ينبغي أن يحملوا الأمانة من بعد(١).
ميراث المرأة قبل الإسلام:
لقد كانت المرأة قبل أن تبزغ شمس الإسلام لا تعطي شيئا من الإرث، بحجة أنها لا تقاتل ولا تدافع عن حمى العشيرة، وكان العربي يقول: (كيف نعطي المال من لا يركب فرسا، ولا يحمل سيفا، ولا يقاتل عدوا)(٢)!!.
فكانوا يمنعونها من الإرث كما يمنعون الوليد الصغير.
ومن هنا يعلم الباحث المنصف، أن الشريعة الإسلامية، جاءت والعرب تظلم النساء، ولا تعطيهن من ميراث أزواجهن أو آبائهن شيئا، فقررت الشريعة السمحة بهذه الآيات لهن حقا في الميراث، يأخذنه بعزة وكرامة، لا منة لأحد عليهن، وليس حسانا أو تحنثا، بل هو فريضة الله لهن.
ولما نزلت آيات المواريث، كبر ذلك على العرب، فكانوا يودون أن ينسخ ذلك الحكم؛ لأنه كان يخالف ما اعتادوه وألفوه(٣).

(١) الوسطية في الإسلام (١٠٨-١٠٩).
(٢) انظر: المواريث في الشريعة للصابوني (١٩).
(٣) انظر: المواريث في الشريعة للصابوني (١٩).


الصفحة التالية
Icon