ومن تسهيل الإسلام وتيسيره على الناس: أنه راعى معهم سنة التدرج فيما يشرعه لهم، من واجب أو محرم. فتجد حين فرض الفرائض كالصلاة والصيام والزكاة، فرضها على مراحل ودرجات حتى انتهت إلى الصورة الأخيرة، فالصلاة فرضت أول ما فرضت ركعتين ركعتين، ثم أقرت في السفر على هذا العدد، وزيدت في الحضر إلى أربع أعني الظهر والعصر والعشاء.
والصيام فرض أولا على التخيير، من شاء صام ومن شاء أفطر وفدى، أي: أطعم مسكينا عن كل يوم يفطره كما روى البخاري عن سلمة بن الأكوع(١) تفسيرا لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: ١٨٤]، ثم أصبح الصيام فرضا لازما لكل صحيح مقيم لا عذر له، (فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة: ١٨٥].
والزكاة فرضت أولا بمكة مطلقة غير محددة ولا مقيدة بنصاب، ومقادير وحول، بل تركت لضمائر المؤمنين، وحاجات الجماعة والأفراد، حتى فرضت الزكاة ذات النصب والمقادير في المدينة. والمحرمات كذلك، لم يأت تحريمها دفعة واحدة، فقد علم الله سبحانه مدى سلطانها على الأنفس، وتغلغلها في الحياة سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات.
فليس من الحكمة منع الناس عنها بأمر مباشر يصدر لهم، إنما الحكمة إعدادهم ذهنيا وعقليا ونفسيا لتقبلها، وأخذهم بسنة التدرج في تحريمها حتى إذا جاء الأمر الناهي عن الفعل كانوا مسرعين في تنفيذه قائلين سمعن وأطعنا.
أولا: الخمر:

(١) هو أبو مسلم سلمة بن الأكوع، وقيل: سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع سنان بن عبد الله الأسلمي، كان ممن بايع تحت الشجرة، وكان شجاعا راميا محسنا فاضلا، غزا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات، توفى بالمدينة سنة ٧٤ هـ،. وقيل: ٦٤ هـ: انظر: أسد الغابة (٢/٢٧١)، تهذيب التهذيب (٤/١٥٠).


الصفحة التالية
Icon