ذلك (أن الله خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته والإنابة إليه، ومحبته، والإخلاص له... وحاجتهم إليه في عبادتهم إياه، وتألهم كحاجتهم وأعظم في خلقه لهم وربوبيته إياهم، فإن ذلك هو الغاية المقصودة لهم، وبذلك يصيرون عاملين متحركين، ولا صلاح لهم ولا فلاح، ولا نعيم، ولا لذة بدون ذلك بحال، بل من أعرض عن ذكر ربه فإن له معيشة ضنكا ونحشه يوم القيامة أعمى)(١).
وهذه الوظيفة، وهذه المهمة للإنسان في الحياة الدنيا، هي التي من أجلها أنزل الله الكتب وأرسل الرسل: فالرسل إنما دعوا إلى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: ٥]، فإنهم كلهم دعوا إلى توحيد الله وإخلاص عبادته من أولهم إلى آخرهم فقال نوح: (اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: ٥٩]، وكذلك قال هود وصالح وشعيب وإبراهيم: قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: ٣٦]، وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: ٢٥](٢).
وبذلك يتضح للقارئ الكريم أن العبادة هي الوظيفة الأولى والأساسية للإنسان في هذه الحياة.
المبحث الأول
معنى العبادة في اللغة والشرع
أولا في اللغة: العبادة والعبدية والعبودية: الطاعة(٣).
وفي لسان العرب: أصل العبودية: الخضوع والتذلل.
والتعبد: التنسك، والعبادة: الطاعة.
والتعبد: التذلل، والتعبيد: التذليل.
بعير معبد: مذلل، وطريق معبد: مسلوك مذلل(٤).
(٢) مدارج السالكين (١/١٠١).
(٣) القاموس المحيط، كتاب (الدال)، فصل (العين) (٣٧٨).
(٤) لسان العرب، كتاب الدال، فصل العين المهملة (٣/٢٧١).