وهذا القول فيه خروج عن الظاهر وادعاء حذفين: أحدهما: حذف المفضل عليه وهو منكم. والثاني: الفعل الناصب للموصول، وأما ما أجازه مكي فهو مبني على أمرين غير صحيحين. أحدهما: ادّعاءان أفعل تأتي بمعنى فاعل، وهذا قال به أبو عبيدة من المتقدمين، وخالفه النحويون وردوا عليه قوله، وقالوا: لا يخلو أفعل من التفضيل، وإن كان يوجد في كلام بعض المتأخرين أن أفعل قد يخلو من التفضيل، وبنوا على ذلك جواز مسألة يوسف أفضل إخوته، حتى أن بعضهم ذكر في جواز اقتياسه خلافاً، تسليماً منه أن ذلك مسموع من كلام العرب فقال: واستعماله عارياً دون من مجرداً عن معنى التفضيل، مؤولاً باسم فاعل أو صفة مشبهة، مطرد عند أبي العباس، والأصح قصره على السماع، انتهى كلامه. والأمر الثاني: أنه إذا سلم وجود أفعل عارياً من معنى التفضيل، فهو يعمل عمل اسم الفاعل أم لا. والقائلون بوجود ذلك لا يقولون بإعماله عمل اسم الفاعل إلا بعضهم، فأجاز ذلك، والصحيح ما ذهب إليه النحويون المتقدمون من كون أفعل لا يخلو من التفضيل، ولا مبالاة بخلاف أبي عبيدة لأنه كان يضعف في النحو، ولا بخلاف بعض المتأخرين لأنهم مسبوقون بما هو كالإجماع من المتقدمين، ولو سلمنا إسماع ذلك من العرب، فلا نسلم اقتياسه، لأن المواضع التي أوردت دليلاً على ذلك في غاية من القلة، مع أنها قد تؤولت. ولو سلمنا اقتباس ذلك، فلا نسلم كونه يعمل عمل اسم الفاعل. وكيف نثبت قانوناً كلياً ولم نسمع من العرب شيئاً من أفراد تركيباته لا يحفظ: هذا رجل أضرب عمراً، بمعنى ضارب عمراً، ولا هذه امرأة أقتل خالداً، بمعنى قاتلة خالداً، ولا مررت برجل أكسى زيداً جبة، بمعنى: كاس زيداً جبة. وهل هذا إلا إحداث تراكيب لم تنطق العرب بشيء من نظيرها؟ فلا يجوز ذلك. وكيف يعدل في كتاب الله عن الشيء الظاهر الواضح من كون أعلم فعلاً مضارعاً إلى هذا الذي هو؟ كما رأيت في علم النحو، وإنما طوّلت في هذه المسألة لأنهم يسلكون ذلك


الصفحة التالية
Icon