وأبعد من جعل ما مصدرية، وأن التقدير: وآمنوا بإنزالي لما معكم من التوراة، فتكون اللام في لما من تمام المصدر لا من تمام. ﴿مصدّقاً﴾. وعلى القول الأول يكون ﴿لما معكم﴾ من تمام ﴿مصدقاً﴾، واللام على كلا التقديرين في لما مقوية للتعدية، كهي في قوله تعالى: ﴿فعال لما يريد﴾ (هود: ١٠٧) (البروج: ١٦). وإعراب مصدقاً على قول من جعل ما مصدرية حال من ما في قوله: لما معكم}. ولا نقول: يبعد ذلك لدخول حرف الجر على ذي الحال، لأن حرف الجر كما ذكرناه هو مقوّ للتعدية، فهو كالحرف الزائد، وصار نظير: زيد ضارب، مجردة لهند، التقدير: ضارب هنداً مجردة، ثم تقدمت هذه الحال، وهذا جائز عندنا، ويبعد أن يكون حالاً من المصدر المقدر لوجهين: أحدهما: الفصل بين المصدر ومعموله الحال المصدر. والوجه الثاني: أنه يبعد وصف الإنزال بالتصديق إلا أن يتجوّز به، ويراد به المنزل، وعلى هذا التقدير لا يكون لما معكم من تمامه، لأنه إذا أريد به المنزل لا يكون متعدياً للمفعول. والظاهر أن مصدقاً حال من الضمير العائد على الموصول المحذوف، وهي حال مؤكدة، والعامل فيها أنزلت. وقيل: حال من ما في قوله: بما أنزلت، وهي حال مؤكدة أيضاً.
﴿وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ : أفعل التفضيل إذا أضيف إلى نكرة غير صفة، فإنه يبقى مفرداً مذكراً، والنكرة تطابق ما قبلها، فإن كان مفرداً كان مفرداً، وإن كان تثنية كان تثنية، وإن كان جمعاً كان جمعاً، فتقول: زيد أفضل رجل، وهند أفضل امرأة، والزيدان أفضل رجلين، والزيدون أفضل رجال. ولا تخلو تلك النكرة المضاف إليها أفعل التفضيل من أن تكون صفة أو غير صفة، فإن كانت غير صفة فالمطابقة كما ذكرنا. وأجاز أبو العباس: إخوتك أفضل رجل، بالإفراد، ومنع ذلك الجمهور. وإن كانت صفة، وقد تقدم أفعل التفضيل جمع جازت المطابقة وجاز الإفراد، قال الشاعر: أنشده الفراء:
وإذا هم طعموا فألأم طاعم


الصفحة التالية
Icon