فيمكن أن تكون هذه القراءة من هذا لأنها قراءة شاذة. والوجه الثاني: أن تكون ليست للتفضيل، فيكون معنى حسنى: حسنة، أي وقولوا للناس مقالة حسنة، كما خرجوا يوسف أحسن إخوته في معنى: حسن إخوته. وأما من قرأ: إحساناً فيكون نعتاً لمصدر محذوف، أي قولاً إحساناً، وإحساناً مصدر من أحسن الذي همزته للصيرورة، أي قولا ذا حسن، كما تقول: أعشبت الأرض إعشاباً، أي صارت ذات عشب.
﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ﴾ ونصب: قليلاً، على الاستثناء، وهو الأفصح، لأن قبله موجب. وروي عن أبي عمرو أنه قرأ: إلا قليل، بالرفع. وقرأ بذلك أيضاً قوم، قال ابن عطية: وهذا على بدل قليل من الضمير في توليتم، وجاز ذلك، يعني البدل، مع أن الكلام لم يتقدم فيه نفي، لأن توليتم معناه النفي، كأنه قال: لم يفوا بالميثاق إلا قليل، انتهى كلامه. والذي ذكر النحويون أن البدل من الموجب لا يجوز، لو قلت: قام القوم إلا زيد، بالرفع على البدل، لم يجز، قالوا: لأن البدل يحلّ محلّ المبدل منه، فلو قلت: قام إلا زيد، لم يجز لأن إلا لا تدخل في الموجب. وأما ما اعتلّ به من تسويغ ذلك، لأن معنى توليتم النفي، كأنه قيل: لم يفوا إلا قليل، فليس بشيء، لأن كل موجب، إذا أخذت في نفي نقيضه أو ضدّه، كان كذلك، فليجز: قام القوم إلا زيد، لأنه يؤوّل بقولك: لم تجلسوا إلا زيد. ومع ذلك لم تعتبر العرب هذا التأويل، فتبني عليه كلامها، وإنما أجاز النحويون: قام القوم إلا زيد بالرفع، على الصفة. وقد عقد سيبويه في ذلك باباً في كتابه فقال: هذا باب ما يكون فيه إلا وما بعده وصفاً بمنزلة غير ومثل. وذكر من أمثلة هذا الباب: لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا، ﴿ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾ (الأنبياء: ٢٢).
وقليل بها الأصوات إلا بغامها