وأما ما يوجد في كتب النحويين من قولهم: ما قام زيد لكن عمرو، وما ضربت زيداً لكن عمراً، وما مررت بزيد لكن عمرو، فهو من تمثيلهم، لا أنه مسموع من العرب. ومن غريب ما قيل في لكن: إنها مركبة من كلم ثلاث: لا للنفي، والكاف للخطاب، وأن التي للإثبات والتحقيق، وأن الهمزة حذفت للاستثقال، وهذا قول فاسد، والصحيح أنها بسيطة.
﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ : الضمير في يعلمون اختلف في من يعود عليه، فالظاهر أنه يعود على الشياطين، يقصدون به إغواءهم وإضلالهم، وهو اختيار الزمخشري. وعلى هذا تكون الجملة في موضع الحال من الضمير في كفروا. قالوا: أو خبراً ثانياً. وقيل: حال من الشياطين. ورد بأن لكن لا تعمل في الحال، وقيل: بدل من كفروا، بدل الفعل من الفعل، لأن تعليم الشياطين السحر كفر في المعنى. والظاهر أنه استئناف إخبار عنهم.
﴿وَمَآ أُنزِلَ﴾ : ظاهره أن ما موصول اسمي منصوب، وأنه معطوف على قوله: ﴿السحر﴾، وظاهر العطف التغاير، فلا يكون ما أنزل على الملكين سحراً. وقيل: هو معطوف على ﴿ما تتلو الشياطين﴾، أي ﴿واتبعوا ما تتلو الشياطين﴾.
وقيل: ما في موضع جر عطفاً على ملك سليمان.
وقيل: ما حرف نفي، والجملة معطوفة على ﴿وما كفر سليمان﴾.
﴿هَرُوتَ وَمَرُوتَ﴾ : قرأ الجمهور: بفتح التاء، وهما بدل من الملكين، وتكون الفتحة علامة للجرّ لأنهما لا ينصرفان، وذلك إذا قلنا إنهما إسمان لهما. وقيل: بدل من الناس، فتكون الفتحة علامة للنصب، ولا يكون هاروت وماروت اسمين للملكين. وقيل: هما قبيلتان من الشياطين، فعلى هذا يكونان بدلاً من الشياطين، وتكون الفتحة علامة للنصب، على قراءة من نصب الشياطين. وأما من رفع الشياطين، فانتصابهما على الذم، كأنه قال: أذم هاروت وماروت، أي هاتين القبيلتين، كما قال الشاعر:
أقارع عوف لا أحاول غيرها
وجوه قرود تبتغي من تخادع


الصفحة التالية
Icon