﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ : من: لابتداء الغاية، كما تقول: هذا الخير من زيد. ويجوز أن تكون للتبعيض، المعنى من خير كائن من خيور ربكم، فإذا كانت لابتداء الغاية تعلقت بقوله: ﴿ينزل﴾، وإذا كانت للتبعيض تعلقت بمحذوف، وكان ذلك على حذف مضاف، كما قدّرناه.
﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ﴾ ويحتمل أن يكون يختصّ هنا لازماً، أي ينفرد، أو متعدياً، أي يفرد، إذ الفعل يأتي كذلك. يقال: اختصّ زيد بكذا، واختصصته به، ولا يتعين هنا تعديه، كما ذكر بعضهم، إذ يصح، والله يفرد برحمته من يشاء، فيكون من فاعلة، وهو افتعل من: خصصت زيداً بكذا. فإذا كان لازماً، كان لفعل الفاعل بنفسه نحو: اضطررت، وإذا كان متعدياً، كان موافقاً لفعل المجرّد نحو: كسب زيد مالاً، واكتسب زيد مالاً.
﴿مَا نَنسَخْ مِنْءَايَةٍ﴾ وما من قوله: ما ننسخ، شرطية، وهي مفعول مقدم.
وقرأت طائفة وابن عامر من السبعة: ما ننسخ من الإنساخ، وقد استشكل هذه القراءة أبو علي الفارسي فقال: ليست لغة، لأنه لا يقال نسخ وأنسخ بمعنى، ولا هي للتعدية، لأن المعنى يجيء: ما يكتب من آية، أي ما ينزل من آية، فيجيء القرآن كله على هذا منسوخاً. وليس الأمر كذلك، فلم يبق إلا أن يكون المعنى: ما نجده منسوخاً، كما يقال: أحمدت الرجل إذا وجدته محموداً، وأبخلته إذا وجدته بخيلاً. قال أبو عليّ: وليس نجده منسوخاً إلا بأن ينسخه، فتتفق القراءات في المعنى، وإن اختلفا في اللفظ. انتهى كلامه. فجعل الهمزة في النسخ ليست للتعدية، وإنما أفعل لوجود الشيء بمعنى ما صيغ منه، وهذا أحد معاني أفعل المذكورة فيه فاتحة الكتاب.
﴿نَأْتِ﴾ : هو جواب الشرط، واسم الشرط هنا جاء بعده الشرط والجزاء مضارعين، وهذا أحسن التراكيب في فعلي الشرط والجزاء، وهو أن يكونا مضارعين. ﴿بِخَيْرٍ مِّنْهَا﴾ : الظاهر أن خيراً هنا أفعل التفضيل.


الصفحة التالية
Icon