﴿تجدوه﴾ جواب الشرط، والهاء عائدة على ما، والخيور المتقدمة هي أفعال منقضية. ونفس ذلك المنقضي لا يوجد، فإنما ذلك على حذف مضاف، أي تجدوا ثوابه. فجعل وجوب ما ترتب على وجوداً له، وتجدوه متعد إلى واحد، لأنه بمعنى الإصابة. والعامل في قوله: ﴿عند الله﴾، إما نفس الفعل، أو محذوف، فيكون في معنى الحال من الضمير، أي تجدوه مدّخراً ومعدًّا عند الله. والظرفية هنا المكانية ممتنعة، وإنما هي مجاز بمعنى القبل، كما تقول لك: عندي يد، أي في قبلي، أو بمعنى في علم الله نحو: ﴿وإنّ يوماً عند ربك كألف سنة﴾ (الحج: ٤٧)، أي في علمه وقضائه، أو بمعنى الاختصاص بالإضافة إلى الله تعالى تعظيماً كقوله: إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته} (الأعراف: ٢٠٦).
﴿وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَرَى﴾ ومن فاعلة بيدخل، وهو من الاستثناء المفرّغ، والمعنى: لن يدخل الجنة أحد إلا من. ويجوز أن تكون على مذهب الفراء بدلاً، أو يكون منصوباً على الاستثناء، إذ يجيز أن يراعى ذلك المحذوف، ويجعله هو الفاعل، ويحذفه، وهو لو كان ملفوظاً به لجاز البدل والنصب على الاستثناء، فكذلك إذا كان محذوفاً وحمل أولاً على لفظ من، فأفرد الضمير في كان، ثم حمل على المعنى، فجمع في خبر كان فقال: ﴿هوداً أو نصارى﴾. وهود: جمع هائد، كعائد وعود. وتقدم مفرد النصارى ما هو أنصران أم نصري. وفي جواز مثل هذين الحملين خلاف، أعني أن يكون الخبر غير فعل، بل صفة يفصل بين مذكرها ومؤنثها بالتاء نحو: من كان قائمين الزيدون، ومن كان قائمين الزيدان. فمذهب الكوفيين وكثير من البصريين جواز ذلك. وذهب قوم إلى المنع، وإليه ذهب أبو العباس، وهم محجوجون بثبوت ذلك في كلام العرب كهذه الآية، فإن هوداً في الأظهر جمع هائد، وهو من الصفات التي يفصل بينها وبين مؤنثها بالتاء، وكقول الشاعر:
وأيقظ من كان منكم نياماً


الصفحة التالية
Icon