وأجازوا في: وأن احكم، أن يكون في موضع نصب عطفاً على الكتاب، أي: والحكم. وفي موضع جر عطفاً على بالحق، وفي موضع رفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر مؤخراً، والتقدير: وحكمك بما أنزل أنزل الله أمرنا وقولنا. أو مقدماً والتقدير: ومن الواجب حكمك بما أنزل الله. وقيل: أنْ تفسيرية، وأبعد ذلك من أجل الواو، ولا يصح ذلك بأن يقدر قبل فعل الأمر فعلاً محذوفاً فيه معنى القول أي: وأمرناك أن احكم، لأنه يلزم من ذلك حذف الجملة المفسرة بأن وما بعدها، وذلك لا يحفظ من كلام العرب.
﴿أَفَحُكْمَ الْجَهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ وقرأ الجمهور: أفحكمَ بنصب الميم، وهو مفعول يبغون. وقرأ السلمي، وابن وثاب، وأبو رجاء، والأعرج: أفحكمُ الجاهلية برفع الميم على الابتداء. والظاهر أن الخبر هو قوله: يبغون، وحسن حذف الضمير قليلاً في هذه القراءة كون الجملة فاصلة. وقال ابن مجاهد: هذا خطأ. قال ابن جني: وليس كذلك، وجد غيره أقوى منه وقد جاء في الشعر انتهى.
وفي هذه المسألة خلاف بين النحويين. وبعضهم يجيز حذف هذا الضمير في الكلام، وبعضهم يخصه بالشعر، وبعضهم يفصل. وهذه المذاهب ودلائلها مذكورة في علم النحو. وقال الزمخشري: وإسقاط الراجع عنه كإسقاطه عن الصلة في «أهذا الذي بعث الله رسولاً وعن الصفة في: الناس رجلان، رجل أهنت ورجل أكرمت. وعن الحاف في: مررت بهند تضرب زيداً انتهى. فإنْ كان جعل الإسقاط فيه مثل الإسقاط في الجواز والحسن، فليس كما ذكر عند البصريين، بل حذفه من الصلة بشروط الحذف فصيح، وحذفه من الصفة قليل، وحذفه من الخبر مخصوص بالشعر، أو في نادز. وإن كان شبهه به من حيث مطلق الإسقاط فهو صحيح. وقال ابن عطية: وإنما تتجه القراء على أن يكون التقدير: أفحكم الجاهلية حكم تبغون، فلا تجعل تبغون خبراً بل تجعل صفة خبر محذوف، ونظيره: ﴿من الذين يحرفون﴾ تقديره قوم يحرفون انتهى. وهو توجيه ممكن.


الصفحة التالية
Icon