وجملة براءة من الله ورسوله إبخار بثبوت البراءة، وجملة وأذان من الله ورسوله إخبار بوجوب الإعلام بما ثبت، فافترقا وعلقت البراءة بالمعاهدين لأنها مختصة بهم ناكثيهم وغير ناكثيهم، وعلق الأذان بالناس لشموله معاهداً وغيره ناكثاً، وغيره مسلماً وكافراً، هذا هو قول الجمهور. قيل: ويجوز أن يكون الخطاب للكفار بدليل آخر الآية، وبدليل مناداة عليّ بالجمل الأربع. فظاهره أن المخاطب بتلك الجمل الكفار، ولما كان المجرور خبراً عن قوله وأذان، كان بإلى أي مفتد إلى الناس وواصل إليهم. ولو كان المجرور في موضع المفعول لكان باللام، ومن في من المشركين متعلقة بقوله بريء تعلق المفعول. تقول: برئت منك، وبرئت من الدين بخلاف مِنْ في قوله: براءة من الله، فإنها في موضع الصفة.
قال قوم: هذا استثناء منقطع، التقدير: لكن الذين عاهدتم فثبتوا على العهد أتموا إليهم عهدهم. وقال قوم منهم الزجاج: هو استثناء متصل من قوله: إلى الذين عاهدتم من المشركين. وقال الزمخشري: وجهه أنْ يكون مستثنى من قوله: فسيحوا في الأرضإِلاَّ الَّذِينَ عَهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} لأنّ الكلام خطاب للمسلمين.
الاستثناء بمعنى الاستدراك، كأنه قيل بعد أن أمروا في الناكثين: ولكنّ الذين لم ينكثوا فأتموا إليهم عهدهم ولا تجروهم مجراهم، ولا تجعلوا الوفيَّ كالغادر. وقيل: هو استثناء متصل، وقبله جملة محذوفة تقديرها: اقتلوا المشركين المعاهدين إلا الذي عاهدتم، وهذا قول ضعيف جداً، والأظهر أن يكون منقطعاً لطول الفصل بجمل كثيرة بين ما يمكن أن يكون مستثنى منه وبينه.