وأما قوله: لستن ﴿رِزْقاً كَرِيماً * ينِسَآءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى﴾ كجماعة واحدة، فقد قلنا: إن قوله ﴿لستن﴾ معناه: ليست كل واحدة منكن، فهو حكم على كل واحدة واحدة، ليس حكماً على المجموع من حيث هو مجموع. وقلنا: إن معنى كأحد: كشخص واحد، فأبقينا أحداً على موضوعه من التذكير، ولم نتأوله بجماعة واحدة. وأما ﴿ولم يفرقوا بين أحد منهم﴾، فاحتمل أن يكون الذي للنفي العام، ولذلك جاء في سياق النفي، فعم وصلحت البينية للعموم. واحتمل أن يكون أحد بمعنى واحد، ويكون قد حذف معطوف، أي بين واحد وواحد من رسله، كما قال الشاعر:
فما كان بين الخير لوجا سالماًأبو حجر ألا ليال قلائل
أي: لستن مثلهن إن اتقيتن الله، وذلك لما انضاف مع تقوى الله من صحبة الرسول وعظيم المحل منه، ونزول القرآن في بيتهن وفي حقهن. وقال الزمخشري: ﴿إن اتقيتن﴾ : إن أردتن التقوى، وإن كن متقيات. ﴿فلا تخضعن بالقول﴾ : فلا تجبن بقولكنّ خاضعاً، أي ليناً خنثاً، مثل كلام المريبات والمومسات. ﴿فيطمع الذي في قلبه مرض﴾ : أي ريبة وفجورا. انتهى. فعلى القول الأول يكون ﴿إن اتقيتن﴾ قيداً في كونهن لسن كأحد من النساء، ويكون جواب الشرط محذوفاً. وعلى ما قاله الزمخشري، يكون ﴿إن تقيتن﴾ ابتداء شرط، وجوابه ﴿فلا تخضعن﴾، وكلا القولين فيهما حمل.
وقرأ الجمهور: ﴿فيطمع﴾، بفتح الميم ونصب العين، جواباً للنهي؛ والذي مفعول، أو الذي فاعل والمفعول محذوف، أي فيطمع نفسه.
﴿وقرن﴾ : أمر من قار، كما تقول: خفن من خاف؛ أو من القرار، تقول: قررت بالمكان، وأصله: واقررت، حذفت الراء الثانية تخفيفاً، كما حذفوا لام ظللت، ثم نقلت حركتها إلى القاف فذهبت ألف الوصل. وقال أبو علي: أبدلت الراء ونقلت حركتها إلى القاف، ثم حذفت الياء لسكوتها وسكون الراء بعدها. انتهى.


الصفحة التالية
Icon