والظاهر أن بالحق هو المفعول، فالحق هو المقذوف محذوفاً، أي يقذف، أي يلقي ما يلقي إلى أنبيائه من الوحي والشرع بالحق لا بالباطل، فتكون الباء إمّا للمصاحبة، وإمّا للسبب، ويؤيد هذا الاحتمال كون قذف متعدّياً بنفسه، فإذا جعلت بالحق هو المفعول، كانت الباء زائدة في موضع لا تطرد زيادتها. وقرأ الجمهور: علام بالرفع، فالظاهر أنه خبر ثان، وهو ظاهر قول الزجاج، قال: هو رفع، لأن تأويل قل رب علام الغيوب. وقال الزمخشري: رفع محمول على محل إن واسمها، أو على المستكنّ في يقذف، أو هو خبر مبتدأ محذوف. انتهى. أمّا الحمل على محل إن واسمها فهو غير مذهب سيبويه، وليس بصحيح عند أصحابنا على ما قررناه في كتب النحو. وأمّا قوله على المستكن في يقذف، فلم يبين وجه حمله، وكأنه يريد أنه بدل من ضمير يقذف. وقال الكسائي: هو نعت لذلك الضمير، لأنه مذهبه جواز نعت المضمر الغائب. وقرأ عيسى، وابن أبي إسحاق، وزيد بن علي، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة، وحرب عن طلحة: علام بالنصب؛ فقال الزمخشري: صفة لربي. وقال أبو الفضل الرازي، وابن عطية: بدل. وقال الحوفي: بدل أو صفة؛ وقيل: نصب على المدح. وقرىء: الغيوب بالجر، أمّا الضم فجمع غيب، وأمّا الكسر فكذلك استثقلوا ضمتين والواو فكسر، والتناسب الكسر مع الياء والضمة التي على الياء مع الواو؛ وأمّا الفتح فمفعول للمبالغة، كالصبور، وهو الشيء الذي غاب وخفي جداً.
والظاهر أن ما نفي، وقيل: استفهام ومآله إلى النفي، كأنه قال: أي شيء يبدىء الباطل، أي إبليس، ويعيده، قاله الزجاج وفرقة معه.
وإن اهتديت فبما يوحي إليّ ربي ﴿إِنَّ رَبِّى يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّمُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ الْبَطِلُ وَمَا يُعِيدُ * قُلْ إِن﴾، وأن تكون مصدرية، أي فبوحي ربي.
ومفعول ترى محذوف، أي ولو ترى الكفار إذ فزعوا فلا فوت، أي لا يفوتون الله، ولا يهرب لهم عنما يريد بهم.