﴿ألم يروا كم أهلكنا﴾. قال ابن عطية: وكم هنا خبرية، وأنهم بدل منها، والرؤية رؤية البصر. انتهى. فهذا لا يصح، لأنها إذا كانت خبرية فهي في موضع نصب بأهلكنا، ولا يسوغ فيها إلا ذلك. وإذا كان كذلك، امتنع أن يكون أنهم بدل منها، لأن البدل على نية تكرار العامل، ولو سلطت أهلكنا على أنهم لم يصح. ألا ترى أنك لو قلت أهلكنا انتفاء رجوعهم، أو أهلكنا كونهم لا يرجعون، لم يكن كلاماً؟ لكن ابن عطية توهم أن يروا مفعوله كم، فتوهم أن قولهم أنهم لا يرجعون بدل، لأنه يسوغ أن يتسلط عليه فتقول: ألم يروا أنهم لا يرجعون؟ وهذا وأمثاله دليل على ضعفه في علم العربية. وقال الزجاج: هو بدل من الجملة، والمعنى: ألم يروا أن القرون التي أهلكناها إليهم لا يرجعون، لأن عدم الرجوع والهلاك بمعنى النهي. وهذا الذي قاله الزجاج ليس بشيء، لأنه ليس بدلاً صناعياً، وإنما فسر المعنى ولم يلحظ صنعة النحو. وقال أبو البقاء: أنهم إليهم. انتهى، وليس بشيء، لأن كم ليس بمعمول ليروا. ونقل عن الفراء أنه يعمل يروا في الجملتين من غير إبدال، أعجبني ملاحة الجارية، وسرق ثوب زيد، وتقدم لنا الكلام على إعراب مثل هذه الجملة في قوله: ﴿ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن﴾، في سورة الأنعام. والذي تقتضيه صناعة العربية أن أنهم معمول لمحذوف، ودل عليه المعنى، وتقديره: قضينا أو حكمنا ﴿أنهم إليهم لا يرجعون﴾. وقرأ ابن عباس والحسن: إنهم بكسر الهمزة على الاستئناف، وقطع الجملة عن ما قبلها من جهة الإعراب، ودل ذلك على أن قراءة الفتح مقطوعة عن ما قبلها من جهة الإعراب لتتفق القراءتان ولا تختلفا. والضمير في أنهم عائد على معنى كم، وهم القرون، وإليهم عائد على من أسند إليه يروا، وهم قريش؛ فالمعنى: أنهم لا يرجعون إلى من في الدنيا. وقيل: الضمير في أنهم عائد على من أسند إليه يروا، وفي إليهم عائد على المهلكين، والمعىن: أن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة، أي