﴿وذكرى:﴾ منصوب على الحال عند الكسائي، وعلى المصدر عند الزجاج. فعلى الحال، إما أن يقدر ذوي ذكرى، أو مذكرين. وعلى المصدر، فالعامل منذرون، لأنه في معنى مذكرون ذكرى، أي تذكرة. وأجاز الزمخشري في ذكرى أن يكون مفعولاً له، قال: على معنى أنهم ينذرون لأجل الموعظة والتذكرة، وأن تكون مرفوعة صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى، أو جعلوا ذكرى لإمعانهم في التذكرة وإطنابهم فيها. وأجاز هو وابن عطية أن تكون مرفوعة على خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى، والجملة اعتراضية. قال الزمخشري: ووجه آخر، وهو أن يكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولاً له.
وهذا لا معوّل عليه، لأن مذهب الجمهور أن ما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها إلا أن يكون مستثنى، أو مستثنى مه، أو تابعاً له غير معتمد على الأداة نحو: ما مررت بأحد إلا زيد خير من عمرو. والمفعول له ليس واحداً من هذه الثلاثة، فلا يجوز أن يتعلق بأهلكنا. ويتخرج جواز ذلك على مذهب الكسائي والأخفش، وإن كانا لم ينصا على المفعول له بخصوصيته.
وقرأ الجمهور: ﴿وتقلبك﴾ مصدر تقلب، وعطف على الكاف في ﴿يراك.
قل: هل أنبئكم﴾ : أي قل يا محمد: هل أخبركم؟ وهذا استفهام توقيف وتقرير. وعلى من متعلق بتنزل، والجملة المتضمنة معنى الاستفهام في موضع نصب لأنبئكم، لأنه معلق، لأنه بمعنى أعلمكم، فإن قدرتها متعدية لاثنين، كانت سادة مسد المفعول الثاني؛ وإن قدرتها متعدية لثلاثة، كانت سادة مسد الاثنين. والاستفهام إذا علق عنه العامل، لا يبقى على حقيقة الاستفهام وهو الاستعلام، بل يؤول معناه إلى الخبر. ألا ترى أن قولك: علمت أزيد في الدار أم عمرو، كان المعنى: علمت أحدهما في الدار؟ فليس المعنى أنه صدر منه علم، ثم استعلم المخاطب عن تعيين من في الدار من زيد وعمرو، فالمعنى هنا: هل أعلمكم من تنزل الشياطين عليه؟ لأنه استعلم المخاطبين عن الشخص الذي تنزل الشياطين عليه.