والظاهر أن لا للنفي، وهو قول أبي عبيدة والفرّاء والزجاج، كأنه قال: وهبنا له الجوارح ودللناه على السبيل، فما فعل خيراً، أي فلم يقتحم. قال الفرّاء والزجاج: ذكر لا مرة واحدة، والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي حتى تعيد، كقوله تعالى: فلا صدّق ولا صلى ﴿الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَنَ فِى كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً * أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ * أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَهُ النَّجْدَينِ * فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾، وإنما أفردها لدلالة آخر الكلام على معناه، فيجوز أن يكون قوله: ﴿ثم كان من الذين آمنوا﴾، قائماً مقام التكرير، كأنه قال: فلا اقتحم العقبة ولا آمن. وقيل: هو جار مجرى الدعاء، كقوله: لا نجا ولا سلم، دعاء عليه أن لا يفعل خيراً. وقيل: هو تحضيض بألا، ولا نعرف أن لا وحدها تكون للتحضيض، وليس معها الهمزة.
وقرأ ابن كثير والنحويان: فك فعلاً ماضياً، رقبة نصب، أو أطعم فعلاً ماضياً؛ وباقي السبعة: فكر مرفوعاً، رقبة مجروراً، وإطعام مصدر منون معطوف على فك. وقرأ عليّ وأبو رجاء كقراءة ابن كثير، إلا أنهما قرآ: ذا مسغبة بالألف. وقرأ الحسن وأبو رجاء أيضاً: أو إطعام في يوم ذا بالألف، ونصب ذا على المفعول، أي إنساناً ذا مسغبة، ويتيماً بدل منه أو صفة. وقرأ بعض التابعين: فك رقبة بالإضافة، أو أطعم فعلاً ماضياً. ومن قرأ فك بالرفع، فهو تفسير لاقتحام العقبة، والتقدير: وما أدراك ما اقتحام العقبة. ومن قرأ فعلاً ماضياً، فلا يحتاج إلى تقدير مضاف، بل يكون التعظيم للعقبة نفسها، ويجيء فك بدلاً من اقتحم، قاله ابن عطية.