وفي كل شيء له آية... تدل على أنه الواحد
» وليست في الكون قوة إلا وهي خاضعة لقوته. فهذا الطاغية الذي أراد أن يهدم البيت، أرسل الله عليه من الطير ما يوصل إليه مادة الجدري أو الحصبة، فأهلكته وأهلكت قومه، قبل أن يدخل مكة. وهي نعمة غمر الله بها أهل حرمه على وثينتهم حفظاً لبيته، حتى يرسل من يحميه بقوة دينه - ﷺ - وإن كانت نعمة من الله حلت بأعدائه أصحاب الفيل الذين أرادوا الاعتداء على البيت دون جرم اجترمه، ولا ذنب اقترفه «.
« هذا ما يصح الاعتماد عليه في تفسير السورة. وما عدا ذلك فهو مما لا يصح قبوله إلا بتأويل، إن صحت روايته. ومما تعظم به القدرة أن يؤخذ من استعز بالفيل وهو أضخم حيوان من ذوات الأربع جسماً ويهلك، بحيوان صغير لا يظهر للنظر، ولا يدرك بالبصر، حيث ساقه القدر. لا ريب عند العاقل أن هذا أكبر وأعجب وأبهر!! »
.
ونحن لا نرى أن هذه الصورة التي افترضها الأستاذ الإمام صورة الجدري أو الحصبة من طين ملوث بالجراثيم أو تلك التي جاءت بها بعض الروايات من أن الحجارة تخرق الرؤوس والأجسام وتنفذ منها وتمزق الأجساد فتدعها كفتات ورق الشجر الجاف وهو « العصف ».. لا نرى أن هذه الصورة أو تلك أدل على قدرة الله، ولا أولى بتفسير الحادث. فهذه كتلك في نظرنا من حيث إمكان الوقوع. ومن حيث الدلالة على قدرة الله وتدبيره، ويستوي عندنا أن تكون السنة المألوفة للناس، المعهودة المكشوفة لعلمهم، هي التي جرت فأهلكت قوماً أراد الله إهلاكهم. أو أن تكون سنة الله قد جرت بغير المألوف للبشر، وغير المعهود المكشوف لعلمهم، فحققت قدره ذاك.
إن سنة الله ليست فقط هي ما عهده البشر وما عرفوه. وما يعرف البشر من سنة الله إلا طرفاً يسيراً يكشفه الله لهم بمقدار ما يطيقون، وبمقدار ما يتهيأون له بتجاربهم ومداركهم في الزمن الطويل، فهذه الخوارق كما يسمونها هي من سنة الله. ولكنها خوارق بالقياس إلى ما عهدوه وما عرفوه!
ومن ثم فنحن لا نقف أمام الخارقة مترددين ولا مؤولين لها متى صحت الرواية أو كان في النصوص وفي ملابسات الحادث ما يوحي بأنها جرت خارقة، ولم تجر على مألوف الناس ومعهودهم. وفي الوقت ذاته لا نرى أن جريان الأمر على ألسنة المألوفة أقل وقعاً ولا دلالة من جريانه على ألسنة الخارقة للمألوف. فالسنة المألوفة هي في حقيقتها خارقة بالقياس إلى قدرة البشر.. إن طلوع الشمس وغروبها خارقة وهي معهودة كل يوم وإن ولادة كل طفل خارقة وهي تقع كل لحظة، وإلا فليجرب من شاء أن يجرب! وإن تسليط طير كائناً ما كان يحمل حجارة مسحوقة ملوثة بميكروبات الجدري والحصبة وإلقائها في هذه الأرض، في هذا


الصفحة التالية
Icon