إن هنالك قاعدة مأمونة في مواجهة النصوص القرآنية، لعل هنا مكان تقريرها.. إنه لا يجوز لنا أن نواجه النصوص القرآنية بمقررات عقلية سابقة. لا مقررات عامة. ولا مقررات في الموضوع الذي تعالجه النصوص. بل ينبغي أن نواجه هذه النصوص لنتلقى منها مقرراتنا. فمنها نتلقى مقرراتنا الإيمانية، ومنها نكوّن قواعد منطقنا وتصوراتنا جميعاً؛ فإذا قررت لنا أمراً فهو المقرر كما قررته! ذلك أن ما نسميه « العقل » ونريد أن نحاكم إليه مقررات عن الأحداث الكونية والتاريخية والإنسانية والغيبية هو إفراز واقعنا البشري المحدود، وتجاربنا البشرية المحدودة.
وهذا العقل وإن يكن في ذاته قوة مطلقة لا تتقيد بمفردات التجارب والوقائع بل تسمو عليها إلى المعنى المجرد وراء ذواتها، إلا أنه في النهاية محدود بحدود وجودنا البشري. وهذا الوجود لا يمثل المطلق كما هو عند الله. والقرآن صادر عن هذا المخلوق فهو الذي يحكمنا. ومقرراته هي التي نستقي منها مقرراتنا العقلية ذاتها. ومن ثم لا يصلح أن يقال : إن مدلول هذا النص يصطدم مع العقل فلا بد من تأويله كما يرد كثيراً في مقررات أصحاب هذه المدرسة. وليس معنى هذا هو الاستسلام للخرافة. ولكن معناه أن العقل ليس هو الحكم في مقررات القرآن. ومتى كانت المدلولات التعبيرية مستقيمة واضحة فهي التي تقرر كيف تتلقاها عقولنا، وكيف تصوغ منها قواعد تصورها ومنطقها تجاه مدلولاتها، وتجاه الحقائق الكونية الأخرى.." (١)
- - - - - - - - - - -

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٩٧٤)


الصفحة التالية
Icon