، فذعر الجيش وصاحبه وولّوا هاربين، وأصيب الحبشي ولم يزل لحمه يسقط قطعة قطعة، وأنملة أنملة، حتى انصدع صدره ومات فى صنعاء. (١)
ألم تعلم بقصة متواترة مستفيضة أصبح العلم بها يساوى في قوته وجلائه العلم الناشئ عن الرؤية والمشاهدة ؟ والمراد : أخبرنى بقصة أصحاب الفيل، أخبرنى كيف فعل ربك بهم ؟ ألم يجعل كيدهم ومكرهم وحيلتهم في هدم الكعبة، في ضلال وباطل، ولم يصلوا إلى ما أرادوا؟!.
وقد أرسل اللّه عليهم طيرا جماعات تحمل حجارة فيها جراثيم الأمراض التي فتكت بمعظم الجيش، حتى باء بالخيبة، ورجع بالخذلان المبين، هذه الطيور رمت الجيش بحجارة من طين متحجر، فأهلكت أكثره، وتركته نهبا للطير، أشبه ما يكون بالعصف المأكول للحيوان، وهو ورق الشجر إذا جف بعد الحصاد. (٢)
التفسير والبيان :
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ ألم تعلم علم اليقين، وكأنك شاهدت الواقعة، بما صنع ربّك العظيم القدير بأصحاب الفيل، حيث دمرهم اللَّه، وحمى بيته الحرام، أفلا يجدر بقومك أن يؤمنوا باللَّه ؟ ! وقد شاهد أناس منهم الواقعة، حيث أقبل قوم من النصارى الأحباش الذين ملكوا اليمن، إلى الحجاز، يريدون تخريب الكعبة، فلما قربوا من مكة، وأرادوا دخولها، أرسل اللَّه عليهم جماعات من الطيور محمّلة بحجارة، ألقوها عليهم، فأهلكتهم.
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ أي أفسد خطتهم ومؤامرتهم، والمعنى : ألم تر أن ربك جعل مكرهم وتدبيرهم وسعيهم في تخريب الكعبة، واستباحة أهلها، في تضليل عما قصدوا إليه، وفي ضياع وإبطال، حتى لم يصلوا إلى البيت، ولا إلى ما أرادوا بكيدهم، بل أهلكهم اللَّه تعالى. والكيد : هو إرادة مضرة بالغير على الخفية.
وإذا علم قومك هذا الأمر، فليخافوا أن يعاقبهم اللَّه بعقوبة مماثلة، ما داموا يصرون على الكفر باللَّه تعالى وبرسوله - ﷺ - وكتابه الكريم، ويصدون الناس عن سبيل الإيمان الحق باللَّه عزّ وجلّ.
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ أي وبعث اللَّه عليهم جماعات متفرقة من الطيور السود، جاءت من قبل البحر فوجا فوجا، مع كل طائر ثلاثة أحجار : حجران في رجليه، وحجر في منقاره، لا يصيب شيئا إلا دمره وهشمه.
وهي حجارة صغيرة من طين متحجر، كالحمصة وفوق العدسة، فإذا أصاب أحدهم حجر منها، خرج به الجدري أو الحصبة، حتى هلكوا.

(١) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ٢٤١)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٩٠٥)


الصفحة التالية
Icon