أنذر بهدمها > فصار الهدم آية ًبعد أن كان المنع آية، فلذلك اختلف حكمها في الحالين، والله تعالى اعلم.
ولما انتشر في العرب ما صنع الله تعالى بجيش الفيل، تهيبوا الحرم وأعظموه وزادت حرمته في النفوس ودانت لقريش بالطاعة وقالوا : أهل الله، قاتل عنهم وكفاهم كيد عدوهم، فزادوهم تشريفاً وتعظيماً، فصاروا أئمة ديانين، وقادة متبوعين، وصار أصحاب الفيل مثلاً في الغابرين. وكان شأن الفيل رادعاً لكل باغ ودافعاً لكل طاغ. وقد عاصر رسول الله - ﷺ - في زمن نبوته وبعد هجرته، جماعة شاهدوا الفيل وطير الأبابيل، منهم حكيم بن حزام، وحاطب بن عبد العزى، ونوفل بن معاوية ؛ لأن كل واحد من هؤلاء عاش مائة وعشرين سنة : منها ستين سنة في الجاهلية، وستين سنة في الإسلام، انتهى.
الخامس : ورد في كثير من الأحاديث الصحيحة الإشارة إلى نبأ الفيل : روى البخاري أن النبي - ﷺ - لما أظل يوم الحديبية على الثنية التي نهبط به على قريش، بركت ناقته فزجروها فألحت فقالوا : خلأت القصواء - أي : حرنت - فقال رسول الله - ﷺ - :< ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل >، قال ابن الأثير في " النهاية " : هو فيل أبرهة الحبشي الذي جاء يقصد خراب الكعبة، فحبس الله الفيل فلم يدخل الحرم، وردَّ رأسه راجعاً من حيث جاء. يعني أن الله حبس ناقة النبي - ﷺ - لما وصل إلى الحديبية، فلم تتقدم ولم تدخل الحرم ؛ لأنه أراد أن يدخل مكة بالمسلمين. وفي الصحيحين أيضاً أن رسول الله - ﷺ - قال يوم فتح مكة :< إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلغ الشاهد الغائب. (١)
معنى آيات السورة واضح، وهي تذكر السامعين في معرض الإنذار بما كان من نكال اللّه في أصحاب الفيل فجعل كيدهم حابطا خاسرا حيث أرسل عليهم جماعات من الطير فرمتهم بحجارة طينية وجعلتهم كورق الزرع الممضوغ.
وجمهور المفسرين على أن المقصد من أصحاب الفيل هم الأحباش الذين غزوا مكة فإذا كان هذا صحيحا فإنه يؤيد الروايات التي ترويها الكتب العربية القديمة عن الغزوة التي تعرف في تاريخ العرب قبل الإسلام بغزوة الفيل والتي قام بها الأحباش بقيادة أبرهة. وسميت كذلك لأنه كان في الحملة الحبشية بعض الأفيال.
وملخص ما جاء في الروايات أن الأحباش غزوا اليمن قبل البعثة النبوية بذريعة نصر النصارى الذين اضطهدهم الملك الحميري ذو نواس الذي كان يعتنق اليهودية وانتصروا عالى

(١) - محاسن التأويل تفسير القاسمي - (١٣ / ٣١٤)


الصفحة التالية
Icon