ومن عصاه سلبهما منه، كما قال تعالى : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً، يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ، فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ، فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ. وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ، فَكَذَّبُوهُ، فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ [النحل ١٦/ ١١٢- ١١٣] (١).
وكانت العرب يغير بعضها على بعض، ويسبي بعضها بعضا، فأمنت قريش كما تقدم من ذلك لمكان الحرم، كما آمنهم من خوف الحبشة مع الفيل قال اللَّه تعالى : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً، وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ؟ [العنكبوت ٢٩/ ٦٧].
ومضات :
في السورة هتاف بقريش أن يعبدوا اللّه ربّ البيت الذي هم في جواره. فقد يسّر اللّه لهم ببركته الأمن من الخوف والوقاية من الجوع كما يسّر لهم رحلتي الشتاء والصيف اللتين كانوا يتهيأون لهما كل عام ويعدون لهما العدة ويجنون منهما أسباب الرخاء والرفاه، فمن واجبهم شكر أفضاله عليهم بالإيمان وعبادته وحده.
واختصاص قريش بالذكر إما لأنهم أول من وجهت إليهم الدعوة أو لأنهم كانوا قدوة العرب بسبب جوارهم وسدانتهم للكعبة التي كانت تسمى بيت اللّه وكانت محجا للعرب أجمع والتي كان لهم بسببها المركز المحترم بين العرب، أو لأن زعماء قريش وأثرياءهم كانوا يقفون متمردين في وجه الدعوة ويحولون دون استجابة الناس إليها، وينالون بالأذى من قدروا عليه من المستجيبين إليها، ومن الجائز أن يكون كل هذا مما قصد إليه بهذا الاختصاص الذي فيه شيء من التنديد كأنما يقال لهم إن عليكم بدلا من أن تفعلوا ذلك أن تكونوا أولى الناس بالاستجابة إلى دعوة اللّه شكرا على نعمته واعترافا بفضله.
ولقد كانت قريش تدرك خطورة مركزها وتدرك أنها مدينة به وبما تتمتع به من خيرات وبركات وأمن ورغد رزق للكعبة، على ما يمكن أن تدل عليه آية سورة المائدة هذه : جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) وآية سورة القصص هذه : وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وآية سورة العنكبوت هذه : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وآيات سورة الحج هذه : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً