اللّه بن جدعان فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلّا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته وسمّوا حلفهم هذا حلف الفضول. وكان النبي - ﷺ - ممن شهد هذا الحدث. وقد روى ابن هشام هذه الرواية عن زياد بن عبد اللّه البكائي عن محمد بن اسحق. وأورد في سياقها حديثا عن محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ التيمي أنه سمع طلحة بن عبد اللّه بن عوف الزهري يقول :«قال رسول اللّه - ﷺ - لقد شهدت في دار عبد اللّه بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم. ولو أدعى به في الإسلام لأجبت».
وهناك أحاديث نبوية عديدة صحيحة في حرمة بيت اللّه ومكة التي هو فيها.
من ذلك ما جاء في حديث رواه مسلم وأبو داود عن جابر بن عبد اللّه عن النبي - ﷺ - :«إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا». وحديث رواه الخمسة عن أبي هريرة عن رسول اللّه - ﷺ - :«إنّ اللّه عزّ وجلّ حبس عن مكة الفيل وسلّط عليها رسوله والمؤمنين. ألا وإنها لم تحلّ لأحد قبلي ولن تحلّ لأحد بعدي. ألا وإنها أحلّت لي ساعة من النهار. ألا وإنها ساعتي هذه حرام. لا يخبط شوكها ولا يعضد شجرها وزاد في رواية ولا ينفّر صيدها ولا يلتقط ساقطتها إلّا منشد». وحديث رواه الشيخان عن ابن عباس عن رسول اللّه - ﷺ - :
«إنّ هذا البلد حرّمه اللّه يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة اللّه إلى يوم القيامة» وحديث رواه الشيخان والترمذي عن أبي شريح العدوي عن رسول اللّه - ﷺ - :«إنّ مكة حرّمها اللّه ولم يحرّمها الناس فلا يحلّ لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة. فإن أحد ترخّص بقتال رسول اللّه - ﷺ - فيها فقولوا له إنّ اللّه أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنّما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلّغ الشاهد الغائب».
ورحلتا الشتاء والصيف هما رحلتان تجاريتان كان القرشيون يقومون بهما :
واحدة إلى اليمن جنوبا في الشتاء، وأخرى إلى الشام شمالا في الصيف. وكانوا يصلون إلى بلاد الصومال والحبشة في رحلة الجنوب وإلى فلسطين ومصر وربما إلى بلاد العراق وفارس في رحلة الشمال على ما ذكرته الروايات العربية، وأشارت إلى شيء منه آيات سورة الصافات هذه في معرض ذكر مساكن قوم لوط التي كانت في تخوم فلسطين : وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨) وكانت هذه الرحلات وسائل عظيمة لتنمية ثروة القرشيين واكتسابهم المهارة التجارية واقتباسهم كثيرا من


الصفحة التالية
Icon