ويثير الخجل في القلوب. وما كانت قريش تجهل قيمة البيت وأثر حرمته في حياتها. وما كانت في ساعة الشدة والكربة تلجأ إلا إلى رب هذا البيت وحده. وها هو ذا عبد المطلب لا يواجه أبرهة بجيش ولا قوة. إنما يواجهه برب هذا البيت الذي يتولى حماية بيته! لم يواجهه بصنم ولا وثن، ولم يقل له.. إن الآلهة ستحمي بيتها. إنما قال له :« أنا رب الإبل وإن للبيت رباً سيمنعه ».. ولكن انحراف الجاهلية لا يقف عند منطق، ولا يثوب إلى حق، ولا يرجع إلى معقول.
وهذه السورة تبدو امتداداً لسورة الفيل قبلها من ناحية موضوعها وجوها. وإن كانت سورة مستقلة مبدوءة بالبسملة، والروايات تذكر أنه يفصل بين نزول سورة الفيل وسورة قريش تسع سور. ولكن ترتبيهما في المصحف متواليتين يتفق مع موضوعهما القريب.. (١)
ما ترشد إليه الآياتُ
١- مظاهر تدبير الله تعالى وحكمته ورحمته فسبحانه من إله حكيم رحيم.
٢- بيان إفضال الله تعالى على قريش وإنعامه عليها الأمر الذي تطلّب شكرها ولم تشكر فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بتركها للشكر.
٣- وجوب عبادة الله تعالى وترك عبادة من سواه.
٤- وجوب الشكر على النعم وشكرها حمدا لله تعالى عليها والثناء عليه بها وصرفها في مرضاته.
٥- الإطعام من الجوع والتأمين من الخوف عليهما مدار كامل أجهزة الدولة فأرقى الدول اليوم وقبل اليوم لم تستطع أن تحقق لشعوبها هاتين النعمتين نعمة العيش الرغد والأمن التام.
٦-أمر اللَّه تعالى في هذه السورة قريشا وهم أولاد النضر بن كنانة بعبادة وتوحيد ربهم الذي أنعم عليهم بهذه النعم الكثيرة ومنها :
ا- إهلاك أصحاب الفيل وصدهم عن مكة، كما أهلكوا أيضا لأجل كفرهم، وفي هذا دفع لضرر عظيم مؤكد الحصول لولا عناية اللَّه وحمايته، وتوفير أيضا للأمن والسلامة والاطمئنان بجوار البيت الحرام.
ب- نعمة الرزق وتوفير الحاجة والكفاية بسبب ارتحالهم إلى اليمن شتاء وإلى الشام صيفا لجلب مختلف أنواع التجارات من الأطعمة والثياب، مع أمنهم من إغارة العرب عليهم لأنهم أهل بيت اللَّه وجبرانه.

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٩٨٣)


الصفحة التالية
Icon