وقد وقف جبريل والملائكة بين يدي الجبار ينتظرون الإشارة منه ؟ ! ذلك اليوم الحق، نعم هو اليوم الحق الذي لا شك فيه، ولا مرية.
إذا كان الأمر كذلك فمن شاء فليتخذ مآبا إلى ربه، وليعمل عملا صالحا يقربه إليه.
ثم عاد إلى تهديد الكفار المكذبين بيوم القيامة الذين يتساءلون عنه محذرا لهم من عاقبة عنادهم وتكذيبهم. إنا أنذرناكم عذابا قريبا حصوله إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً « ٢ » يوم ينظر المرء ما قدمت يداه فقط، يوم لا يرى فيه أبدا إلا عمله، يوم يقول الكافر :
ليتني كنت ترابا لم أخلق، يقول ذلك من شدة هول ما يلقى، ويتمنى أن لو كان جمادا أو حيوانا غير مكلف. (١)
التفسير والبيان :
يخبر اللّه تعالى عن عظمته وجلاله وشمول رحمته كل شيء، فيقول: رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ، لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً أي إن الجزاء الحسن والعطاء الكافي الوافي لأهل الإيمان والطاعة هو ممن اتصف بالعظمة والجلال، ورب السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، والرحمن الذي شملت رحمته كل شيء، والذي لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه، لهيبته وتعاليه، ثم أكد هذا وقرره بقوله : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً أي إن عظمة اللّه تتجلى في يوم القيامة وتظهر عيانا للخلائق، حتى إن جبريل عليه السلام وجميع الملائكة المصطفين، مع رفعة أقدارهم ودرجاتهم لأنهم أعظم المخلوقات قدرا ورتبة لا يتكلمون في يوم القيامة الرهيب إلا بشرطين :
أحدهما- الإذن من اللّه بالشفاعة، كقوله تعالى : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة ٢/ ٢٥٥] وقوله سبحانه : يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ [هود ١١/ ١٠٥] وقوله عز وجل : يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا [طه ٢٠/ ١٠٩].
والثاني- أن يقول صوابا : أي أن يقول حقا وصدقا إذا كان الإذن للشافع، وأن يكون ذلك الشخص المشفوع له ممن قال في الدنيا صوابا، أي شهد بالتوحيد بأن قال : لا إله إلا اللّه، إذا كان الإذن للمشفوع.
والروح : هو جبريل عليه السلام في رأي الأكثرين لقوله عز وجل : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء ٢٦/ ١٩٣- ١٩٤]. وقال ابن عباس : هو ملك عظيم من أعظم الملائكة خلقا. وقال ابن مسعود : إنه ملك أعظم من السموات والأرض.

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨١٤)


الصفحة التالية
Icon