أمر اللَّه نبيه في السورة السابقة بإخلاص العبادة للَّه وحده لا شريك له، وفي هذه السورة سورة التوحيد والبراءة من الشرك تصريح باستقلال عبادته عن عبادة الكفار، فهو لا يعبد إلا ربه، ولا يعبد ما يعبدون من الأوثان والأصنام، وبالغ في ذلك فكرّره وأكّده، وانتهى إلى أن له دينه، ولهم دينهم. (١)
وقال الخطيب :" الكوثر الذي أعطاه اللّه سبحانه وتعالى النبىّ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ كان فى مقابله البتر والحرمان من كل خير لمن يشنأ هذا النبي، الذي وضع اللّه سبحانه وتعالى، الخير كله فى يده.. وهذا مجمل ما تحدثت عنه سورة « الكوثر » وفى سورة « الكافرون » التي تأتى بعد هذه السورة، موقف بين النبي ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ وما أعطاه اللّه سبحانه من خير كثير، يفيض من النبع الأعظم، وهو الإيمان باللّه ـ وبين المشركين الذين عزلوا أنفسهم عن هذا الخير، وحرموا أن ينالوا شيئا منه.. وفى هذا الموقف يعلن النبي عن هذا الخير الذي من اللّه به عليه، وأنه ممسك به، مقيم عليه، لا يصرفه عنه شىء من هذه الدنيا..
فهو لا يعبد غير اللّه سبحانه وتعالى، ولا يتحول عن عبادته أبدا، ولا ينظر إلى شىء وراءه من مال وبنين!! " (٢)
ما اشتملت عليه السورة :
سورة الكافرون مكية، وهي سورة (التوحيد) و(البراءة من الشرك ) والضلال، فقد دعا المشركون رسول الله ( - ﷺ - )، إلى المهادنة، وطلبوا منه أن يعبد آلهتهم سنة، ويعبدوا إلهه سنة، فنزلت السورة تقطع أطماع الكافرين، وتفصل النزاع بين الفريقين : أهل الإيمان، وعبدة الأوثان، وترد على الكافرين تلك الفكرة السخيفة في الحال والاستقبال. (٣)
في السورة أمر للنبي - ﷺ - بإعلان الكفار أنه لا يعبد ما يعبدون، ولهم إذا شاءوا أن يظلوا على ما هم عليه فلا يعبدون ما يعبد، ولكل من الفريقين دينه، وقد تضمنت مبدأ حرية التدين الذي ظلت الآيات القرآنية تقرره في المكي منها والمدني.
ومن الحكمة الملموحة في الحديثين التنويه والترغيب والتيسير، واللّه تعالى أعلم. (٤)
لم يكن العرب يجحدون الله ولكن كانوا لا يعرفونه بحقيقته التي وصف بها نفسه. أحد. صمد. فكانوا يشركون به ولا يقدرونه حق قدره، ولا يعبدونه حق عبادته. كانوا يشركون به هذه

(١) - انظر تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ٢٥٤)
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٦٩٤)
(٣) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥٣١)
(٤) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٢ / ٢٥)


الصفحة التالية
Icon