ومع الرحمة والجلال :﴿ لا يملكون منه خطاباً ﴾.. في ذلك اليوم المهيب الرهيب : يوم يقف جبريل عليه السلام والملائكة الآخرون ﴿ صفاً لا يتكلمون ﴾.. إلا بإذن من الرحمن حيث يكون القول صواباً. فما يأذن الرحمن به إلا وقد علم أنه صواب.
وموقف هؤلاء المقربين إلى الله، الأبرياء من الذنب والمعصية. موقفهم هكذا صامتين لا يتكلمون إلا بإذن وبحساب.. يغمر الجو بالروعة والرهبة والجلال والوقار. وفي ظل هذا المشهد تنطلق صيحة من صيحات الإنذار، وهزة للنائمين السادرين في الخمار :﴿ ذلك اليوم الحق. فمن شآء اتخذ إلى ربه مآباً. إنآ أنذرناكم عذاباً قريباً : يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، ويقول الكافر : يا ليتني كنت تراباً ﴾..
إنها الهزة العنيفة لأولئك الذين يتساءلون في ارتياب :﴿ ذلك اليوم الحق ﴾.. فلا مجال للتساؤل والاختلاف.. والفرصة ما تزال سانحة! ﴿ فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً ﴾.. قبل أن تكون جهنم مرصاداً ومآباً!
وهو الإنذار الذي يوقظ من الخمار :﴿ إنا أنذرناكم عذاباً قريباً ﴾.. ليس بالبعيد، فجهنم تنتظركم وتترصد لكم. على النحو الذي رأيتم. والدنيا كلها رحلة قصيرة، وعمر قريب!
وهو عذاب من الهول بحيث يدع الكافر يؤثر العدم على الوجود :﴿ يوم ينظر المرء ما قدمت يداه. ويقول الكافر : يا ليتني كنت تراباً ﴾.. وما يقولها إلا وهو ضائق مكروب!
وهو تعبير يلقي ظلال الرهبة والندم، حتى ليتمنى الكائن الإنساني أن ينعدم. ويصير إلى عنصر مهمل زهيد. ويرى هذا أهون من مواجهة الموقف الرعيب الشديد.. وهو الموقف الذي يقابل تساؤل المتسائلين وشك المتشككين. في ذلك النبأ العظيم!!! (١)
ما ترشد إليه الآياتُ
١- للّه تعالى في الدنيا والآخرة صفتان عظيمتان : هما العظمة والجلال فهو ربّ السموات والأرض والكون، والرحمة الشاملة لكل شيء، فهو الرحمن الرحيم.
٢- اقتضت عظمة اللّه ألا يقدر أحد على مخاطبته يوم القيامة إلا لمن أذن له بالشفاعة.
٣- لا يتكلم جبريل والملائكة في موقف القيامة إجلالا لربّهم وخوفا منه وخضوعا له، فكيف يكون حال غيرهم ؟
٤- إن يوم القيامة كائن واقع حتما لا شك فيه، فالسعيد من اتّخذ فيه إلى ربّه مرجعا بالإيمان والعمل الصالح.
٥- إن يوم القيامة وما فيه من العذاب قريب الوقوع لأن كل آت قريب، وفيه يجد كل إنسان ما قدم من خير أو شر.

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٨٠٨)


الصفحة التالية
Icon