مناسبتها لما قبلها :
لما أخبر اللَّه تعالى في آخر السورة المتقدمة باختلاف دين الإسلام الذي يدعو إليه الرسول عن دين الكفار، أنبأه هنا بأن دينهم سيضمحل ويزول، ودينه سيعلو وينتصر وقت مجيء الفتح والنصر، حيث يصبح دين الأكثرين. وفي ذلك بيان فضل اللَّه تعالى على نبيه - ﷺ - بالنصر والفتح، وانتشار الإسلام، وإقبال الناس أفواجا إلى دينه : دين اللَّه، كما أن فيه إشارة إلى دنو أجله - ﷺ -. (١)
وقال الخطيب :" آذن النبي ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ المشركين فى سورة « الكافرون » التي سبقت هذه السورة ـ آذانهم بكلمة الفصل بينه وبينهم « لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ »
.. ووراء هذه الكلمة الحاسمة القاطعة، التي أخذ بها النبي طريقه إلى ربه ومعبوده، واتخذ بها المشركون طريقهم إلى آلهتهم ومعبوداتهم ـ وراء هذه الكلمة تشخص الأبصار إلى مسيرة كلّ من النبي والمشركين الذين أخذوا طريقا غير طريقه، لترى ماذا ينتهى إليه الطريق بكل منهما
وتختفى عن الأبصار طريق أهل الشرك، وتبتلعهم رمال العواصف الهابّة عليهم من صحراء ضلالهم..
أما الطريق الذي أخذه النبي صلوات اللّه وسلامه عليه، فها هو ذا النصر العظيم يلقاه عليه، وها هو ذا الفتح المبين ترفرف أعلامه بين يديه، وها هو ذا دين اللّه الذي يدعو إليه، قد فتحت أبوابه، ودخل الناس فيه أفواجا.. " (٢)
ما اشتملت عليه السورة :
سورة النصر مدنية، هي تتحدث عن " فتح مكة " الذي عز به المسلمون، وإنتشر الإسلام في الجزيرة العربية، وتقلمت أظافر الشرك والضلال، وبهذا الفتح المبين، دخل الناس في دين الله، وإرتفعت راية الإسلام، وإضمحلت ملة الأصنام، وكان الإخبار بفتح مكة قبل وقوعه، من أظهر الدلائل على صدق نبوته، عليه أفضل الصلاة والسلام. (٣)
والغَرض منها الوعد بنصر كامل من عند الله أو بفتح مكة، والبشارة بدخول خلائق كثيرة في الإسلام بفتح وبدونه إن كان نزولها عند منصرف النبي ( - ﷺ - ) من خيبر كما قال ابن عباس في أحد قوليه.
والإِيماءُ إلى أنه حين يقع ذلك فقد اقترب انتقال رسول الله ( - ﷺ - ) إلى الآخرة.
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٦٩٨)
(٣) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥٣٢)