ولقد روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ « سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِى أَرَاكَ أَحْدَثْتَهَا تَقُولُهَا قَالَ « جُعِلَتْ لِى عَلاَمَةٌ فِى أُمَّتِى إِذَا رَأَيْتُهَا قُلْتُهَا (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) ». إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. (١)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - فِي آخِرِ أَمْرِهِ لَا يَقُومُ وَلَا يَقْعُدُ، وَلَا يَذْهَبُ وَلَا يَجِيءُ إِلَّا قَالَ :" سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُكْثِرُ مِنْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، لَا تَذْهَبُ وَلَا تَجِيءُ، وَلَا تَقُومُ وَلَا تَقْعُدُ إِلَّا قُلْتَ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، قَالَ :" إِنِّي أُمِرْتُ بِهَا " فَقَالَ : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ " (٢)
والحديثان يؤيدان إذا صحّا كون السورة نزلت بين يدي موت رسول اللّه - ﷺ - فضلا عما انطوى فيهما من صورة رائعة لعمق شعوره بواجبه نحو اللّه تسبيحا وحمدا واستغفارا.
وبناء على ذلك كلّه رجحنا ترتيب المصحف الذي اعتمدناه وجعلنا ترتيب هذه السورة بعد سورة التوبة وآخر السور المدنيّة.
ونصّ السورة وروحها يؤيدان ذلك على ما سوف يأتي شرحه. أما القول إنها مكيّة فهو غريب ينقضه نصّها وروحها والروايات الكثيرة الأخرى التي أوردناها.
وما قلناه من أن السورة هي آخر السور نزولا لا يعني أن لا يكون نزل بعدها قرآن. وكل ما هناك أنه لم ينزل سور جديدة تامة. وأن ما يحتمل أن يكون من قرآن قد نزل بعدها قد ألحق بسور أخرى بأمر النبي - ﷺ - واللّه أعلم.
وترجيح كون هذه السورة آخر السور نزولا وترجيح كون سورة الفاتحة أولى السور نزولا يدعمان بعضهما ويلهمان معجزة قرآنية ربانية. ففي سورة الفاتحة براعة استهلال للدعوة الإسلامية والقرآن وفي سورة النصر هتاف رباني بما تمّ من نصر اللّه للدعوة الإسلامية. (٣)
مقصودها الإعلام بتمام الدين اللازم عن مدلول اسمها النصر، اللازم عنه موت النبي ( - ﷺ - )، اللازم عنه العلم بأنه ما برز إلى عالم الكون والفساد إلا لإعلاء كلمة الله تعالى وإدحاض كلمة الشيطان - لعنة الله تعالى عليه - اللازم عنه أنه ( - ﷺ - ) خلاصة الوجود، وأعظم عبد للولي الودود، وعلى ذلك أيضا دل اسمها التوديع وحال نزولها وهو أيام التشريق من سنة حجة الوداعه ) بسم الله ( الذي له الأمر كله، فهو العليم الحكيم ) الرحمن ( الذي أرسلك رحمة للعالمين، فعمهم بعد نعمة الإيجاد بأن بين لهم إقامة لمعاشهم ومعادهم بك طريق النجاة غاية

(١) - صحيح مسلم (١١١٤ )
(٢) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (٣٥٤٩٩ ) صحيح
(٣) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٩ / ٥٧٣)


الصفحة التالية
Icon