، فَدَخَلُوا فِي الدِّينِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحِ حَتَّى خَتَمَهَا. قَالَ مَعْمَرٌ : قَالَ الزُّهْرِيُّ ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ ـ وَهِيَ كِنَانَةُ ـ وَمَنْ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ قَبْلَ حُنَيْنٍ، وَحُنَيْنٌ وَادٍ فِي قُبُلِ الطَّائِفِ ذُو مِيَاهٍ، وَبِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ عَجُزُ هَوَازِنَ وَمَعَهُمْ ثَقِيفٌ، وَرَأْسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّضْرِيُّ، فَاقْتَتَلُوا بِحُنَيْنٍ، فَنَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - ﷺ - وَالْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يَوْمًا شَدِيدًا عَلَى النَّاسِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ الْآيَةُ. (١)
وقت نزول هذه السورة :
هناك قولان في ذلك :
أحدهما- أن فتح مكة كان سنة ثمان في رمضان، ونزلت هذه السورة سنة عشر، وروي أنه عاش بعد نزول هذه السورة سبعين يوما، وتوفي في ربيع الأول سنة عشر، ولذلك سميت سورة التوديع.
والقول الثاني- أن هذه السورة نزلت قبل فتح مكة، وهو وعد لرسول اللَّه - ﷺ - أن ينصره على أهل مكة، وأن يفتحها عليه، ونظيره قوله تعالى : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [القصص ٢٨/ ٨٥]. وقوله : إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ يقتضي الاستقبال، إذ لا يقال فيما وقع : إذا جاء وإذا وقع.
وعلى هذا القول يكون الإخبار بفتح مكة قبل وقوعه إخبارا بالغيب معجزا، فهو من أعلام النبوة (٢).
والظاهر القول الأول، بدليل ما رويِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ : إِنَّ " هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِمِنًى، وَهُوَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ حَتَّى خَتَمَهَا ؛ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - أَنَّهُ الْوَدَاعُ..... " الْحَدِيثَ (٣)، ثم نزلت الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة : ٥/ ٣] فعاش بعدهما النبي - ﷺ - ثمانين يوما. ثم نزلت آية الكلالة (آخر سورة النساء)، فعاش بعدها خمسين يوما. ثم نزل لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التوبة ٩/ ١٢٨] فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوما. ثم نزل : وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة ٢/ ٢٨١] فعاش بعدها أحدا وعشرين يوما. وقال مقاتل : سبعة أيام (٤).

(١) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (٩٤٣٧ ) صحيح مرسل
(٢) - تفسير الرازي : ٣٢/ ١٥٥
(٣) - الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (٣٨٨٤ ) ضعيف
(٤) - تفسير القرطبي : ٢٠/ ٢٣٣


الصفحة التالية
Icon