ثانيهما : أن هذه السورة نزلت قبل فتح مكة، وهو وعد لرسول الله - ﷺ - أن ينصره على أهل مكة وأن يفتحها عليه. ونظيره ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [ القصص : ٨٥ ]، وقوله :﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ يقتضي الاستقبال ؛ إذ لا يقال فيما وقع :﴿ إِذَا جَاء ﴾ و : إذا وقع، وإذا صح القول صارت هذه الآية من جملة المعجزات ؛ من حيث إنه خبر وجد مخبره بعد حين مطابقاً له ؛ والإخبار عن الغيب معجزة. انتهى.
قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " : ولأبي يعلى، من حديث ابن عمر : نزلت هذه السورة في أوسط أيام التشريق، في حجة الوداع < فعرف رسول الله - ﷺ - أنه الوداع >.
ثم قال : وسئلت عن قول" الكشاف" : أن سورة النصر نزلت في حجة الوداع أيام التشريق، فكيف صدرت بـ : إذا الدالة على الاستقبال ؟ فأجبت بضعف ما نقله. وعلى تقدير صحته، فالشرط لم يتكمل بالفتح ؛ لأن مجيء الناس أفواجاً لم يكن كمل، فبقية الشرط مستقبل.
وقد أورد الطيبي السؤال، وأجاب بجوابين :
أحدهما : أن إذا قد ترد بمعنى إذ كما في قوله تعالى :﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً ﴾ [ الجمعة : ١١ ] الآية.
ثانيهما : أن كلام الله قديم. وفي كل من الجوابين نظر لا يخفى. انتهى كلامه.
الثالث : قال الشهاب : المراد بالناس العرب. فـ أل عهدية. أو المراد الاستغراق العرفيّ والمراد عبدة الأصنام منهم ؛ لأن نصارى تغلب لم يسلموا في حياته - ﷺ - وأعطوا الجزية.
الرابع : روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما صلى النبي - ﷺ - بعد أن نزلت عليه :﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ إلا يقول فيها :< سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي >.
وفيه عنها أيضاً : كان رسول الله - ﷺ - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده :< سبحانك اللهم ربَّنا وبحمدك، اللهم اغفر لي >، يتأول القرآن.
قال الحافظ ابن حجر : معنى يتأول القرآن، يجعل ما أمر به من التسبيح والتحميد والاستغفار، في أشرف الأوقات والأحوال.
وقال ابن القيم في " الهدى " كأنه أخذه من قوله تعالى :﴿ وَاسْتَغْفِرْهُ ﴾ لأنه كان يجعل الاستغفار في خواتم الأمور ؛ فيقول إذا سلم من الصلاة :< أستغفر الله > ثلاثاً. وإذا خرج من الخلاء قال :< غفرانك >. وورد الأمر بالاستغفار عند انقضاء المناسك :﴿ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ ﴾ [ البقرة : ١٩٩ ] الآية. (١)

(١) - محاسن التأويل تفسير القاسمي - (١٣ / ٣٣٦)


الصفحة التالية
Icon