وقع لهم فى مسيرتهم على الجهاد، مما ينبغى أن يتطهر منه المجاهدون، وأن يصفّو حسابهم معه بالتوبة والاستغفار، بعد أن رأوا ما رأوا من قدرة اللّه، ومن إحسانه وفضله عليهم.. وهذا مثل قوله تعالى :« لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ » (١١٧ : التوبة) (١)
هذه السورة الصغيرة.. كما تحمل البشرى لرسول الله - ﷺ - بنصر الله والفتح ودخول الناس في دين الله أفواجاً؛ وكما توجهه - ﷺ - حين يتحقق نصر الله وفتحه واجتماع الناس على دينه إلى التوجه إلى ربه بالتسبيح والحمد والاستغفار..
كما تحمل إلى الرسول - ﷺ - البشرى والتوجيه.. تكشف في الوقت ذاته عن طبيعة هذه العقيدة وحقيقة هذا المنهج، ومدى ما يريد أن يبلغ بالبشرية من الرفعة والكرامة والتجرد والخلوص، والانطلاق والتحرر.. هذه القمة السامقة الوضيئة، التي لم تبلغها البشرية قط إلا في ظل الإسلام. ولا يمكن أن تبلغها إلا وهي تلبي الهدف العلوي الكريم.
وقد وردت روايات عدة عن نزول هذه السورة نختار منها رواية الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، قال : قالت عائشة : كان رسول الله - ﷺ - يكثر في آخر أمره من قوله :« سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه » قال :« إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان تواباً » فقد رأيتها.. { إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا «( ورواه مسلم من طريق داود بن أبي هند بهذا النص )..
وقال ابن كثير في التفسير : والمراد بالفتح ها هنا فتح مكة. قولاً واحداً. فإن أحياء العرب كانت تتلوم ( أي تنتظر ) بإسلامها فتح مكة يقولون : إن ظهر على قومه فهو نبي، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجاً، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيماناً، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مُظهر للإسلام ولله الحمد والمنة، وقد روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة قال : لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله - ﷺ - وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون : دعوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبي.. »
الحديث «..

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٦٩٩)


الصفحة التالية
Icon