ومعلوم أن آية :( وأنذر عشيرتك الأقربين ( من سورة الشعراء، وهي متأخرة النزول عن سورة تبت، وتأويل ذلك أن آية تشبه آية سورة الشعراء نزلت قبل سورة أبي لهب لما روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) صَعِدَ النَّبِىُّ - ﷺ - عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِى « يَا بَنِى فِهْرٍ، يَا بَنِى عَدِىٍّ ». لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ « أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِى تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِىَّ ». قَالُوا نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقًا. قَالَ « فَإِنِّى نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ». فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا فَنَزَلَتْ ( تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ) (١)
فتعين أن آية سورة الشعراء تشبه صدر الآية التي نزلت قبل نزول سورة أبي لهب. (٢)
مناسبتها لما قبلها :
هناك تقابل بين هذه السورة والسورة التي قبلها، ففي السورة السابقة النصر ذكر اللَّه تعالى أن جزاء المطيع حصول النصر والفتح في الدنيا، والثواب الجزيل في الآخرة، وفي هذه السورة ذكر أن عاقبة العاصي الخسار في الدنيا والعقاب في الآخرة أو العقبى.
وقال الخطيب :" كانت سورة « النصر » ـ كما قلنا ـ مددا من أمداد السماء، تحمل بين يديها هذه البشريات المسعدة للنبىّ وللمؤمنين، وتريهم رأى العين عزّة الإسلام، وغلبته، وتخلع عليهم حلل النصر، وتعقد على جبينهم إكليل الفوز والظفر.
وتحت سنابك خيل الإسلام المعقود بنواصيها النصر، والتي هى على وعد من اللّه به ـ حطام هذا الطاغية العنيد الذي يمثّل ضلال المشركين كلّهم، ويجمع فى كيانه وحده، سفههم، وعنادهم، وما كادوا به للنبىّ والمؤمنين.. إنه أبو لهب.. وامرأته حمالة الحطب.. " (٣)
ما اشتملت عليه السورة :
سورة المسد مكية، وتسمى سورة اللهب، وسورة تبت، وقد تحدثت عن هلاك " أبي لهب " عدو الله ورسوله، الذي كان شديد العداوة لرسول الله( - ﷺ - )، ، يترك شغله ويتبع الرسول ( - ﷺ - )، ليفسد عليه دعوته، ويصد الناس عن الأيمان به، وقد توعدته السورة في الآخرة، بنار موقدة
(٢) - التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (٣٠ / ٥٩٩) وانظر التفسير الوسيط للقرآن الكريم لطنطاوي - (١٥ / ٥٣٣)
(٣) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٧٠٢)