قال ابن كثير : وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي أم جميل، واسمها أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان وعمة معاوية، وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده.
﴿ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴾ قال الإمام رحمه الله : أي : في عنقها حبل من الليف، أي : أنها في تكليف نفسها المشقة الفادحة، للإفساد بين الناس وتأريث نيران العداوة بينهم، بمنزلة حامل الحطب الذي في عنقه حبل خشن، يشدّ به ما حمله إلى عنقه، حتى يستقل به. وهذه أشنع صورة تظهر بها امرأة تحمل الحطب، وفي عنقها حبل من الليف، تشد به الحطب إلى كاهلها، حتى تكاد تختنق به.
وقال أيضاً : قد أنزل الله في أبي لهب وفي زوجته هذه السورة، ليكون مثلاً يعتبر به من يعادي ما أنزل الله على نبيِّه ؛ مطاوعة لهواه وإيثاراً لما ألفه من العقائد والعوائد والأعمال، واغتراراً بما عنده من الأموال، وبما له من الصولة أو من المنزلة في قلوب الرجال، وأنه لا تغني عنه أمواله ولا أعماله شيئاً، وسيصلى ما يصلى. نسأل الله العافية. (١)
في آيات السورة دعاء على أبي لهب بالهلاك والخسران، وتقرير بأنه لن يغني عنه ماله وما كسبه شيئا، وأنه سيصلى نارا عظيمة هو وامرأته حمالة الحطب التي سوف يكون في جيدها حبل من مسد، تقاد به.
والروايات مجمعة على أن أبا لهب هذا هو عم النبي - ﷺ - وأن اسمه عبد العزى وأن امرأته هي أم جميل أخت أبي سفيان «١» والمرجح أن كنية «أبي لهب» هي كنية قرآنية على سبيل الهجو فصارت له علما.
ولقد روى الشيخان والترمذي عن ابن عباس قال :«لمّا نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء/ ٢١٤] خرج رسول اللّه - ﷺ - حتّى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فاجتمعوا إليه فقال أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقيّ؟ قالوا : ما جرّبنا عليك كذبا. قال : فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد. قال أبو لهب تبا لك ما جمعتنا إلّا لهذا، ثم قام فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد/ ١]» «٢».
وإلى هذا الحديث الذي أورده أيضا الطبري والمفسرون الآخرون «٣» رووا روايات أخرى كسبب نزول السورة منها «أنّ النبي - ﷺ - لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [٢١٤] جمع أقاربه فدعاهم إلى الإسلام فقال له أبو لهب تبا لك سائر اليوم ألهذا دعوتنا؟» ومنها :«أن أبا لهب قال للنبي - ﷺ - : ماذا أعطى يا محمد إن آمنت بك؟ قال : كما يعطى المسلمون. فقال : ما لي عليهم