قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَذُكِرَ لِي : أَنّ أُمّ جَمِيلٍ : حَمّالَةَ الْحَطَبِ حِينَ سَمِعَتْ نَزَلَ فِيهَا، وَفِي زَوْجِهَا مِنْ الْقُرْآنِ أَتَتْ رَسُولَ اللّهِ - ﷺ - وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ مِنْ حِجَارَةٍ فَلَمّا وَقَفَتْ عَلَيْهِمَا أَخَذَ اللّهُ بِبَصَرِهَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ - ﷺ - فَلَا تَرَى إلّا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَتْ يَا أَبَا بَكْرٍ : أَيْنَ صَاحِبُك، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنّهُ يَهْجُونِي، وَاَللّهِ لَوْ وَجَدْته لَضَرَبْتُ بِهَذَا الْفِهْرِ فَاهُ أَمَا وَاَللّهِ إنّي لَشَاعِرَةٌ ثُمّ قَالَتْ

مُذَمّمًا عَصَيْنَا وَأَمْرَهُ أَبَيْنَا
وَدِينَهُ قَلَيْنَا ثُمّ انْصَرَفَتْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ أَمَا تَرَاهَا رَأَتْك ؟ فَقَالَ مَا رَأَتْنِي، لَقَدْ أَخَذَ اللّهُ بِبَصَرِهَا عَنّي.. (١)
وروى الحافظ أبو بكر البزار عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ جَاءَتِ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ وَرَسُولُ اللهِ - ﷺ - جَالِسٌ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : لَوْ تَنَحَّيْتَ لاَ تُؤْذِيكَ بِشَيْءٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - : إِنَّهُ سَيُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا فَأَقْبَلَتْ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ : يَا أَبَا بَكْرٍ، هَجَانَا صَاحِبُكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لاَ وَرَبِّ هَذِهِ الْبِنْيَةِ مَا يَنْطِقُ بِالشِّعْرِ وَلاَ يَتَفَوَّهُ بِهِ فَقَالَتْ : إِنَّكَ لَمُصَدَّقٌ، فَلَمَّا وَلَّتْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَا رَأَتْكَ، قَالَ : لاَ مَا زَالَ مَلَكٌ يَسْتُرُنِي حَتَّى وَلَّتْ " (٢).
فهكذا بلغ منها الغيظ والحنق، من سيرورة هذا القول الذي حسبته شعراً ( وكان الهجاء لا يكون إلا شعراً ) مما نفاه لها أبو بكر وهو صادق! ولكن الصورة الزرية المثيرة للسخرية التي شاعت في آياتها، قد سجلت في الكتاب الخالد، وسجلتها صفحات الوجود أيضاً تنطق بغضب الله وحربه لأبي لهب وامرأته جزاء الكيد لدعوة الله ورسوله، والتباب والهلاك والسخرية والزراية جزاء الكائدين لدعوة الله في الدنيا، والنار في الآخرة جزاء وفاقاً، والذل الذي يشير إليه الحبل في الدنيا والآخرة جميعاً.. (٣)
ما ترشد إليه الآياتُ
١ - الدعاء على أبي لهب بالهلاك و الخسران.
٢ - بيان حكم الله بهلاك أبي لهب وأنه سيموت كافرا أو يدخل النار وهذا من علم الغيب كشفه الله للمسلمين عن مصير أبي لهب وزوجته وقد كان.
٣ - لا يغني المال ولا الولد عن العبد شيئا من عذاب الله.
٤ - لا يجوز إيذاء المسلمين.
(١) - السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث - (١ / ٢٠٦) وسيرة ابن هشام - (١ / ٣٥٥)
(٢) - مسند البزار - (١ / ٣٣) (١٥(م) ) صحيح
(٣) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٤٠٠١)


الصفحة التالية
Icon