(١) أن تكون هذه المخلوقات قد عظمت فى أعين بعض الناس، وقوى سلطانها فى نفوسهم، حتى عبدوها واتخذوها آلهة من دون اللّه كالشمس والقمر فى نحو قوله :« وَ الشَّمْسِ وَضُحاها. وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها » وقد ذكر سبحانه بجانب ذلك بعض صفاتها الدالة على أنها مخلوقة له كتغيرها من حال إلى حال، وما يطرأ عليها من الأفول والزوال، مما لا يكون من شأن الآلهة المستحقة للعبادة.
(٢) أن تكون مما احتقره الناس لغفلتهم عن فائدته، وذهولهم عن موضع العبرة فيه، ولو أنهم تدبروا فيما هو عليه من جليل الصنعة، وبديع الحكمة لاهتدوا إلى معرفة خالقة، ونعتوه بما هو أهل له من صفات الجلال والكمال.
فأقسم سبحانه على التوحيد فى قوله :« والصَّافَّاتِ صَفًّا. فَالزَّاجِراتِ زَجْراً. فَالتَّالِياتِ ذِكْراً. إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ ». وأقسم على أن الرسول حق بقوله :« وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ». وأقسم إن القرآن حق فى قوله :« فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ».
وحلف إن الجزاء حق، وإن الناس سيبعثون إلى ربهم، وإن كلا منهم سيلاقى جزاء عمله كما قال :« وَالذَّارِياتِ ذَرْواً. فَالْحامِلاتِ وِقْراً. فَالْجارِياتِ يُسْراً. فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً. إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ. وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ ». (١)
أقسم الحق - تبارك وتعالى - بالكواكب السيارة التي تجرى على سنن مقدر ونظام معين لا تتعداه، تنزع مجدة في سيرها، مسرعة فيه بلا توان، وأقسم بها وهي تخرج من برج إلى برج وتسبح في الفضاء سبحا، وتسير فيه سيرا هادئا، كل في فلك يسبحون، والمراد بذلك وصف الكواكب بالجري السريع والانتقال من حال إلى حال، سابحة في الفضاء، ومع هذا فعالم السماء محكم لا اضطراب فيه ولا تصادم، ألا يدل ذلك على قدرة قادرة، وعلى علم كامل تام، لا يحيط به إلا هو ؟
فَالسَّابِقاتِ « ١ » أى : فبعض الكواكب تسبق بعضها في الجري. فالمدبرات أمرا للعباد في معاشهم وحياتهم كتوقيت المواقيت، وتكوين الفصول، وما يتبع ذلك من نظام الحياة البشرية، وليس المراد تدبير أمر الخلق تدبيرا كاملا على ما يعتقد بعض عبدة الكواكب فهذا كفر صريح، بل المراد : بها يكون ذلك.
وبعضهم يرى أن اللّه أقسم بالملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد نزعا. فهي تنزع قلوب الكفار نزعا بشدة وإغراق ومبالغة، وهي تنزع قلوب المؤمنين برفق وهوادة وهذا معنى