إلى الإيمان - ليكون ذلك تسلية لرسوله عما لاقيه من قومه من شديد العناد وعظيم الإعراض، يرشد إلى ذلك قوله :« فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ».
وفى ذلك عبرة أخرى لقومه - وهى أن فرعون مع أنه كان أقوى منهم شكيمة أشد شوكة وأعظم سلطانا، لما تمرد على موسى وعصا أمر ربه أخذه اللّه نكال لآخرة والأولى، ولم يعجزه أن يهلكه ويجعله لمن خلفه آية، فأنتم أيها القوم مهما عظمت حالكم وقوى سلطانكم لم تبلغوا مبلغ فرعون، فأخذكم أهون على اللّه منه.
وفى هذا تهديد لهم وإنذار بأنهم إن لم يؤمنوا باللّه ورسوله، فسيصيبهم مثل ما أصاب فرعون وقومه كما قال فى آية أخرى :« فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ. إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ » (١).
وتلك قصة موسى مع فرعون الطاغية سيقت كالتسلية للنبي - ﷺ - وتهديدا للمشركين، فليس هم أقوى وأشد من فرعون وقومه، فلما كفروا باللّه واليوم الآخر عاقبهم عقوبتين في الأولى والآخرة، فاحذروا يا آل مكة أن تكونوا مثلهم : هل أتاك حديث موسى ؟ وهذا أسلوب بديع في التشويق إلى استماع الحديث والحرص عليه كأنه أول نبأ عن موسى، هل أتاك حديثه إذ ناداه ربه - جل وعلا - وهو بالوادي المقدس المطهر - واد في أسفل جبل طور سيناء من جهة الشام - الذي قدسه اللّه مرة بعد مرة فقال له : اذهب إلى فرعون إنه طغى وجاوز الحد المعقول في تعذيب بنى إسرائيل وفي الكفر باللّه، فقل له مع الملاينة والملاطفة لتتم الحجة وينقطع العذر : هل لك إلى أن تطهر نفسك من أدرانها باتباع شرع اللّه الذي أوحى إلى ؟ وأهديك إلى ربك فتؤمن به وتعلم صفاته، فيترتب على ذلك أنك تخشاه، ولكن فرعون كذب ولم يؤمن وطلب آية على صدق موسى، فأراه الآية الكبرى التي هي انقلاب العصا حية، فكذب وعصى أيضا، ثم أدبر عن الحق وأعرض عن موسى وعن دعوته، وأخذ يسعى في الأرض بالفساد ومكايدته هو ومن معه، فجمع السحرة من جميع البلاد وقال لهم : أنا ربكم الأعلى فليس هناك سلطان بعد سلطاني، وظل فرعون سادرا في غلوائه لاهيا في عتوه وجبروته حتى تبع موسى وقومه إلى البحر الأحمر. وهم يخرجون من مصر وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ : آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ « ٢ » وهكذا حكم اللّه على فرعون بالإغراق، وكان آية لمن بعده، وهو في الآخرة في جهنم وبئس القرار، فأخذه اللّه ونكل به نكال الآخرة والأولى،