ربّكم الأعلى، وحيث أخذه اللّه ونكّل به في الدنيا بالإضافة إلى نكال الآخرة. وانتهت الآيات بلفت النظر إلى ما في ذلك من عبرة وموعظة لمن يخشى العواقب.
والصلة قائمة بين هذه الآيات وسابقاتها حيث جاءت بعد إنذار الكفار والتنديد بهم جريا على الأسلوب القرآني. وهدف التذكير والإنذار فيها واضح كما هو شأن جميع القصص القرآنية.
وقصة رسالة موسى وموقف فرعون الاستكباري قد حكيت في سور سابقة بأساليب متنوعة، وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار. ولقد تعددت روايات المفسرين عن أهل التأويل في تأويل جملة فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى فقيل إنها بمعنى عاقبه اللّه على تكذيبه بدءا وإصراره على التكذيب بعد ظهور معجزات اللّه ووقوع العذاب عليه. كما قيل إنها بمعنى عاقبه اللّه في الدنيا بالإضافة إلى ما سوف يكون من عقابه في الآخرة. وكلا القولين وجيه. (١)
بعد أن واجهت الآيات السابقة المشركين، بما يقع فى نفوسهم من كمد وحسرة، حين تفجؤهم الساعة بأحداثها، وحين بقلت من أيديهم الطريق إلى النجاة ـ جاءت هذه الآيات لتعرض عليهم وجها من وجوه الضلال، فيه مشابه كثيرة منهم، وهو وجه « فرعون » وقد أشرنا فى غير موضع إلى أن القرآن الكريم كثيرا ما يجمع بين هؤلاء المشركين وبين فرعون، إذ كانوا أشبه الناس به، عنادا، واستعلاء، وكبرا.
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى، إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً أي ألم يبلغك قصة موسى عليه السلام مع فرعون، حيث ابتعثه اللّه إليه، وأيّده بالمعجزات، حين ناداه ربّه ليلا، مكلما إياه، مكلفا له بالنبوة والرسالة في الوادي المبارك المطهّر وهو طوى : وهو الوادي في جبل سيناء الذي نادى الرّب فيه موسى.
وإنما ذكّر اللّه بقصة موسى عليه السلام لأنه أبهر الأنبياء المتقدمين معجزة، ولأن فيها تسلية للنبي - ﷺ - عما يلاقيه من إعراض قومه، ولتهديد كفار قريش بإنزال عذاب مشابه لما أنزل بفرعون وجنوده، مع أنه كان أكثر جمعا وأشد قوة منهم.
ثم أبان اللّه تعالى مهمة موسى عليه السلام بقوله : اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى أي قال اللّه له : اذهب إلى فرعون طاغية مصر، فإنه جاوز الحد في العصيان والتكبر والكفر باللّه، حيث ادّعى الربوبية، وتجبر على بني إسرائيل، واستعبد قومه.
ثم علّمه أسلوب الدعوة فقال : فَقُلْ : هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى، وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى أي فقل لفرعون بعد وصولك إليه : هل لك رغبة في التطهر من الشرك والعيوب ؟ وإني أرشدك إلى

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٥ / ٤١٣)


الصفحة التالية
Icon