هذا المقطع بحقيقة الآخرة التي هي الموضوع الرئيسي في السورة. وتصلح تمهيداً لها في القلوب والعقول، يجيء بعده ذكر الطامة الكبرى في موضعه وفي حينه! (١)
ما ترشد إليه الآياتُ
١- أثبت اللّه تعالى لمنكري البعث قدرته على إعادة الخلق والمعاد، بقدرته على بدء الخلق، وقدرته على خلق السموات العظيمة، المحكمة البناء، والتي جعل فيها الليل والنهار، وخلق الأرض التي دحاها وبسطها ومهدها بعد خلق السموات، وفجر منها الأنهار والينابيع، وأرسى الجبال في أماكنها، كل ذلك لتحقيق المنفعة للإنسان ودوابه التي يأكل منها ويركب عليها. ومعنى الكلام التقريع والتوبيخ.
فمن قدر على السماء قدر على الإعادة، وإذا كان اللّه قادرا على إنشاء العالم الأكبر، يكون على خلق العالم الأصغر، بل على إعادته أقدر.
٢- بيان إفضال الله تعالى على الإِنسان وإنعامه عليه.
٣- مشروعية الاستدلال بالكبير على الصغير وبالكثير على القليل وهو مما يعلم بداهة وبالضرورة إلا أن الغفلة أكبر صارف وأقوى حايل فلا بد من إزالتها أولا.
٤- أشار اللّه تعالى إلى كيفية خلق السماء بقوله : بَناها وفيه تصوير للأمر المعقول، وهو الإبداع والاختراع، بالأمر المحسوس وهو البناء.
ثم ذكر هيئة البناء بقوله : رَفَعَ سَمْكَها وهو الامتداد القائم من السفل إلى العلو، وعكسه يسمى عمقا.
٥- دل قوله تعالى : فَسَوَّاها على أن الأرض كروية، كما دل قوله تعالى : دَحاها على أن كروية الأرض ليست تامة، بل هي مفلطحة كالبيضة. ودحو الأرض لا ينافي تقدم خلق الأرض على السماء في قوله تعالى : هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ [البقرة ٢/ ٢٩].
٦- امتن اللّه تعالى على خلقه بأنه إنما خلق هذه الأشياء في السماء والأرض متعة ومنفعة لهم ولأنعامهم، أو تمتيعا لهم ولأنعامهم.
٧- إنما نسب اللّه تعالى الليل والنهار إلى السماء لأنهما يحدثان بسبب غروب الشمس وطلوعها، وهذان إنما يحصلان بسبب حركة الفلك.
٨- وصف اللّه تعالى كيفية خلق الأرض بعد وصف كيفية خلق السماء، وذكر صفات ثلاثا : هي دحو الأرض، أي بسطها وتمهيدها الذي حصل بعد خلق السماء، وإخراج الماء والمرعى

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٨١٦)


الصفحة التالية
Icon