فَهَذِهِ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ وَمَا شَاكَلَهَا عَنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مَحْمُولَةٌ عَلَى تَحَرُّجِهِمْ عَنْ الْكَلَامِ فِي التَّفْسِيرِ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ.
فَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ لُغَةً وَشَرْعًا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ ؛ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَقْوَالٌ فِي التَّفْسِيرِ وَلَا مُنَافَاةَ ؛ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِيمَا عَلِمُوهُ وَسَكَتُوا عَمَّا جَهِلُوهُ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّهُ كَمَا يَجِبُ السُّكُوتُ عَمَّا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ الْقَوْلُ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ مِمَّا يَعْلَمُهُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ (١٨٧) سورة آل عمران، وَلِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ :" ﴿ مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامِ مِنْ نَارٍ ﴾ (١) ".
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :" التَّفْسِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : وَجْهٍ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ كَلَامِهَا، وَتَفْسِيرٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ، وَتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ، وَتَفْسِيرٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ " (٢). وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. "اهـ (٣)
- - - - - - - - - - - - - -
(٢) - برقم( ٦٣ ) وفيه انقطاع
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الْوَجْهُ الرَّابِعُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، مِنْ أَنَّ أَحَدًا لَا يُعْذَرُ بِجَهَالَتِهِ، مَعْنًى غَيْرُ الْإِبَانَةِ عَنْ وجُوهِ مَطَالِبِ تَأْوِيلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ أَنَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ مَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْجَهْلَ بِهِ.
(٣) - وانظر شرح قصيدة ابن القيم ج: ٢ ص: ٣٠٦ و فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج ٦ / ص ٩٦٢) رقم الفتوى ٤١٢١٣ التفسير.. معناه وأقسامه