وقرن ذلك بالتذكير بإكرام المؤمنين وسموّ درجتهم عند الله تعالى.
والثناءُ على القرآن وتعليمه لمن رغب في علمه.
وانتقل من ذلك إلى وصف شدة الكفر من صناديد قريش بمكابرة الدعوة التي شغلت النبي ( - ﷺ - ) عن الالتفات إلى رغبة ابن أم مكتوم.
والاستدلالُ على إثبات البعث وهو مما كان يدعوهم إليه حين حضور ابن أم مكتوم وذلك كان من أعظم ما عني به القرآن من حيث إن إنكار البعث هو الأصل الأصيل في تصميم المشركين على وجوب الإعراض عن دعوة القرآن توهماً منهم بأنه يدعو إلى المحال، فاستدل عليهم بالخلق الذي خلقه الإِنسان، واستدل بعده بإخراج النبات والأشجار من أرض ميتة.
وأعقب الاستدلال بالإنذار بحلول الساعة والتحذير من أهوالها وبما يعقبها من ثواب المتقين وعقاب الجاحدين.
والتذكير بنعمة الله على المنكرين عسى أن يشكروه.
والتنويه بضعفاء المؤمنين وعلوِّ قدرهم ووقوع الخير من نفوسهم والخشية، وأنهم أعظم عند الله من أصحاب الغنى الذين فقدوا طهارة النفس، وأنهم أحرياء بالتحقير والذم، وأنهم أصحاب الكفر والفجور. " (١)
مناسبتها لما قبلها :
لهذه السورة تعلق بما قبلها وهي النازعات لأنه تعالى ذكر هناك أن النبي - ﷺ - منذر من يخشى الساعة، وهنا ذكر من ينفعه الإنذار، وهم الذين كان رسول اللّه - ﷺ - يناجيهم في أمر الإسلام ويدعوهم إليه وهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل والعباس بن عبد المطلب وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة. كما أن بينهما تشابها في موضوع الحديث عن يوم القيامة وأهوالها، وإثبات البعث بمخلوقات اللّه في الإنسان والكون، فهناك وصفت القيامة بقوله تعالى : فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى [٣٤] وهنا وصفت بقوله سبحانه : فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ [٣٣] وهما من أسماء يوم القيامة. وهناك أثبت اللّه البعث بخلق السماء والأرض والجبال، وهنا أثبته بخلق الإنسان والنبات والطعام.
ما اشتملت عليه السورة :
* سورة عبس من السور المكية، وهي تتناول شئونا تتعلق بالعقيدة وأمر الرسالة، كما أنها تتحدث عن دلائل القدرة، والوحدانية في خلق الإنسان، والنبات، والطعام، وفيها الحديث عن القيامة وأهوالها، وشدة ذلك اليوم العصيب

(١) - التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (٣٠ / ١٠١)


الصفحة التالية
Icon